أخبار الدارسلايدر

القرارات الأممية بشأن الصحراء المغربية، من الانحياز إلى الواقعية السياسية

عرفة ملف قضية الصحراء المغربية مند إدراجها ضمن جدول أعمال الأمم المتحدة سنة 1965، مسارا متقلبا، إنتقل من نزاع مسلح إلى عملية سياسية معقدة مع قرار وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991، ليتأرجح بين المواقف المتباينة والرهانات الجيوسياسية المتغيرة. المغرب و منذ البداية، ظل متمسكا بحقه التاريخي والشرعي في إستكمال وحدته الترابية، معتبرا أن الصحراء جزء لا يتجزأ من كيانه الوطني، بينما واصلت الجزائر دعم جبهة بوليساريو الإنفصالية، متخفية وراء خطاب “تقرير المصير” في حين أنها تمارس نقيضه في قضاياها الداخلية.

الرجوع إلى طبيعة القرارات الأممية، في أطوارها الأولى، تعكس تذبذب المجتمع الدولي بين الدعوة إلى إنهاء الإستعمار الإسباني وبين محاولة البحث عن تسوية ترضي جميع الأطراف. ففي سنة 1975، جاء القرار 380 ليطالب بوضع حد للوجود الإسباني في إقليم الصحراء، مؤيدا بذلك المسيرة الخضراء التي أطلقها المغرب كوسيلة سلمية لاسترجاع أراضيه المستعمرة. غير أن هذا المسار سرعان ما اصطدم بمخططات التقسيم والتشويش، مما أدى إلى إندلاع مواجهات عسكرية إستمرت حتى توقيع إتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، الذي أعقبه القرار 690 القاضي بإنشاء بعثة “المينورسو” لتنظيم “إستفتاء “، سرعان ما تبين إستحالة تنفيذه.

ومع مطلع الألفية الثالثة، شرعت الأمم المتحدة، تحت ضغط الواقع الميداني والمجتمع الدولي، في إعادة النظر في خيار الإستفتاء الذي ثبت فشله، لتنتقل إلى دعم مسار سياسي واقعي وقابل للتنفيذ ،خاصة القرار 1754 الصادر سنة 2007 ، والذي مثل نقطة تحول حاسمة، حيث دعا إلى مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة، ممهدا الطريق لتقديم المغرب لمقترحه التاريخي ، القائم على منح حكم ذاتي موسع في إطار السيادة المغربية. هذا المقترح الذي وصف بالجاد وذي مصداقية واقعية ، مقترح سرعان ما حظي بتأييد دولي واسع، ترجم في قرارات لاحقة ومن أبرزها القرار 1920 لسنة 2010 ، الذي ألح على ضرورة التعجيل بحل سياسي واقعي، وهي الصيغة الأمميو التي أسقطت بوضوح الطرح الانفصالي، وأعلت من شأن الحلول التوافقية والواقعية.
توجه تعزز بصدور القرار عدد 2440 لسنة 2018، الذي دعا صراحة إلى حل سياسي واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكدا على ضرورة التفاوض الجاد بين الأطراف المعنية، وخاصة المغرب والجزائر، في إشارة ضمنية إلى أن هذه الأخيرة ليست مجرد “دولة مجاورة” كما تدعي، بل طرف رئيسي وأساس في النزاع الصحراء. هذا التحول الأممي تزامن مع تحولات إقليمية ودولية كبرى، أبرزها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في ديسمبر 2020، وهو الموقف الذي تلاه القرار 2548 الصادر عن مجلس الأمن، والذي لم يعد يستند إلى الاستفتاء كأداة للحل، بل أقر بواقعية المقترح السياسي المغربي ورفض الفرضيات المفروضة من الخارج.
وفي سنة 2021، جاء القرار 2602 ليؤكد على نفس المسار، من خلال دعوته إلى توافق متوازن بين الأطراف، وهو تعبير دبلوماسي يدل على القبول الأممي المتنامي بمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل قابل للحياة ويضمن الاستقرار والتنمية، هذا القرار الذي يعلن عن بداية تغيير لغة قرارات مجلس الأمن والتي أضحت تخلو من أي إشارة إلى مفاهيم “الاستقلال” أو “الاستفتاء”، وهو ما يعد اعترافا ضمنيا بانتهاء صلاحية الأطروحة الانفصالية في أدبيات هيئة الأمم المتحدة.

إن تحليل مسار هذه القرارات، يبرز اتجاها واضحا نحو دعم المقترح المغربي بمنح أقاليمه الصحراويةحكما ذاتيا تحت السيادة الكاملة للمملكة ، وإعلان عن الإبتعاد التدريجي عن الأطروحات المتجاوزة. فمجلس الأمن لم يعد يتحدث عن تقرير المصير بمعناه الضيق، وإنما عن حل سياسي متوافق عليه وواقعي. وقد عزز هذا المنحى الدعم المتزايد الذي يحظى به المغرب من قبل قوى وازنة على الصعيد الدولي، لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، ناهيك عن عدد كبير من الدول الإفريقية والعربية التي فتحت قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف عملي بسيادة المغرب على صحرائه.
لم يتوقف المغرب عند حد الدفاع الدبلوماسي، بل عمل على استثمار هذه المتغيرات لإبراز هشاشة الخطاب الجزائري البوليساري، الذي يرفع شعار تقرير المصير في الصحراء، بينما يقمع مطالب مماثلة في الداخل الجزائري، كما هو الحال بالنسبة لأمازيغ القبايل ولطوارق منطقة أزواد، مما يفضح إزدواجية الخطاب ويضعف من مصداقية الطرح الانفصالي.
لقد أظهرت المملكة المغربية نضجا إستراتيجيا كبيرا في تدبير هذا النزاع المفتعل، مستندة إلى الشرعية التاريخية والقانونية، ومبادئ التفاوض الواقعي، ونجاعة المقترح الذاتي، الذي بات يشكل المرجعية الوحيدة التي يعتد بها في قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007. وإن ما راكمه المغرب من دعم دولي، مقابل انكماش الجزائر وصنيعتها جبهة بوليساريو وخسارتها المدوية ،من خلال دعم أزيد من 28 دولة إفريقية كانت تحتضن ممثلياتها، يؤشر على أن نهاية هذا النزاع باتت تلوح في الأفق ، على أساس حل سياسي واقعي ومتين، قوامه الإعتراف بالسيادة المغربية، وضمان كرامة الساكنة المحلية، وصون الاستقرار الإقليمي في وجه كل محاولات التفتيت والتقسيم.

إن الخلاصة الموضوعية التي يمكن إستنتاجها من تتبع تطور قرارات مجلس الأمن، هي أن الأمم المتحدة لم تعد ترى في الإستفتاء خيارا قابلا للتطبيق، وأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي أصبحت الإطار العملي والمنطقي للحل النهائي. إنها لحظة تاريخية تتطلب تثبيت المكتسبات والبناء على التراكم الدبلوماسي، وصولا إلى تسوية دائمة لهذا النزاع المفتعل الذي طال أمده، دون وجه حق والذي دقت ساعة الحسم فيه.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام ومستشار حقوقي وقانوني.
خبير في نزاع الصحراء المغربية
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى