الدور الجزائري الخفي و المعلن في نزاع الصحراء المغربية على ضوء مقترح الحكم الذاتي

لا يخفى على المتتبع لملف الصحراء المغربية، أن جوهر النزاع لم يكن يوما خلافا بين المغرب وكيان إنفصالي مفتعل، بل هو في حقيقته العميقة، نزاع إقليمي نسجت خيوطه قيادة جزائرية متشبثة بعقيدة أيديولوجية و سياسية بائدة، تراهن على منطق العداء وتستبطن هواجس الهيمنة الجيوسياسية في شمال إفريقيا. ومن هذا المنطلق، فإن مقاربة النزاع لا تستقيم دون تمثل الدور المركزي الذي تلعبه الجزائر، سواء عبر دعمها الصريح لصنيعتها بوليساريو، أو من خلال مواقفها العدائية المعلنة تجاه الوحدة الترابية للمملكة، وهي مواقف تتجلى في ممارسات دبلوماسية وأمنية وإعلامية ممنهجة، تتجاوز منطق الحياد أو غطاء الدعم الإنساني، إلى موقع الشريك الفعلي والمباشر في تغذية الصراع وإستدامته.
وفي سياق التطورات المتلاحقة التي عرفها ملف الصحراء المغربية، خلال العقدين الأخيرين، يبرز مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة سنة 2007 كحل سياسي واقعي وذي مصداقية، يحظى بدعم متنام من قبل المجتمع الدولي، ويؤسس لنموذج تدبيري متقدم يكفل لسكان الأقاليم الجنوبية تدبير شؤونهم في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة.
غير أن هذا المقترح، وبرغم وجاهته القانونية وأبعاده التوافقية، قوبل برفض ممنهج من قبل النظام الجزائري، الذي يسعى جاهدا إلى إجهاض كل مسعى جاد نحو الحل، عبر تغذية الانفصال، وتسخير أدواته الدبلوماسية والمالية والإعلامية في تسويق أطروحة متجاوزة لا تجد لها سندا في ميثاق الأمم المتحدة ولا في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. بل إن القراءة المتأنية لهذه القرارات، ومنذ سنة 2007 إلى اليوم، تكشف بشكل جلي عن تحول نوعي في موقف المنتظم الدولي، إذ لم تعد المقاربة الأممية تعتبر النزاع قضية تصفية استعمار، وإنما تنظر إليه كخلاف سياسي يتطلب حلا توافقيا يقوم على الواقعية وروح التوافق، وهي المفاتيح التي يتمثلها بعمق المقترح المغربي للحكم الذاتي.
الجزائر التي لازالت متمسكة بخطابها المزدوج، زاعمة أنها ليست طرفا في النزاع ، غير أن وقائع الساحة الدبلوماسية تكشف نقيض هذا الإدعاء، سواء من خلال إحتضانها الدائم لقيادات الجبهة الوهمية فوق ترابها، أو عبر تمويل تحركاتها، أو من خلال رفضها الصريح للجلوس إلى طاولة الحوار السياسي وفق ما دعت إليه قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار رقم 2654 الصادر في أكتوبر 2022، والذي شدد على أهمية مشاركة جميع الأطراف، وعلى رأسها الجزائر، في الموائد المستديرة بروح من الواقعية والتوافق.
إن المسؤولية السياسية والقانونية للجزائر لا تستند فقط إلى الوقائع الميدانية، بل تتعزز كذلك بالمواقف الدولية الصريحة، التي تنظر إلى الجزائر كفاعل رئيسي في النزاع، حيت لا يمكن تصور أي تسوية من دون انخراطه البناء والصريح. كما أن استمرار هذا التورط الجزائري، المعلن والخفي، يمثل انتهاكا لمبدأ حسن الجوار، ويكرس منطق التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، ويجهز على آفاق بناء مغاربي متكامل، كان من شأنه أن يشكل قوة إقليمية فاعلة في محيطها المتوسطي والإفريقي.
ختاما ، إن المغرب إذ يلتزم بمسار الحل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، فإنه يحتفظ بحقه المشروع في الدفاع عن وحدته الترابية، ويراهن على وعي المجتمع الدولي بضرورة مساءلة الجزائر عن هذا النزاع المفتعل، الذي طال أمده وأثقل كاهل شعوب المنطقة بكلفة بشرية وتنموية كان من الأجدر أن تصرف في مشاريع الاندماج والنماء المشترك. ولعل اللحظة التاريخية الراهنة، بما تشهده من تحولات جيواستراتيجية، تفرض تجاوز منطق الإنكار الجزائري، والانخراط الصادق في منطق الحل، بعيدا عن مناورات الماضي ولغة العداء العقيم.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.