
الدار/ بقلم ياسين المصلوحي
غالبًا ما لا تحظى الانتخابات الجزئية بمتابعة صحفية أو تتبع من الرأي العام، غير أن الوضع مختلف هذه السنة؛ حيث عرفت الانتخابات الجزئية، التي مرت شهري أبريل ويوليوز من هذه السنة، متابعة بالغة الأهمية من عديد المهتمين بالشأن السياسي الداخلي، لعدة اعتبارات، أهمها العدد الكبير للمقاعد الجماعية التي جرى التباري حولها، إضافة إلى الظرفية الحساسة التي نُظمت فيها، ونحن على بعد أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية لسنة 2026.
وقد أسفرت نتائج الانتخابات الجزئية، والتي بلغ عدد المقاعد المتباري بخصوصها 190 مقعدًا شهر أبريل،و82 مقعدًا شهر يوليوز الجاري، عن اكتساح واسع لأحزاب التحالف الحكومي، فيما كانت نتائج أحزاب المعارضة هزيلة جدًا بالمقارنة مع التعبئة السياسية والجلبة الانتخابية التي قامت بها.
وبقراءة لهذه النتائج، يمكن استنتاج مجموعة من الخلاصات؛ أولها قبول ورضى الناخبين المشاركين في هذه الانتخابات على الأداء الحكومي، من خلال تصدر الثلاثي المكوّن للحكومة لنتائج هذه الانتخابات، بغض النظر عن نسب التفاوت بينهم. وهو ما يطرح السؤال حول التناقض بين ما يجري في المواقع الإلكترونية والمنصات الاجتماعية من انتقاد للحكومة وغضب على أدائها، وما يجري في الواقع الذي عكس ارتياح الناخبين لعمل الحكومة وسياستها التدبيرية للشأن العام،
كما أن هذه النتائج تُبرز الفرق بين منهجين سياسيين مختلفين: أحدهما للمعارضة، التي ترافق ندواتها الصحفية ومؤتمراتها الحزبية وجميع خرجاتها السياسية بقاموس من الانتقاد والهجوم على الأغلبية، بإيقاع صاخب ومثير يخلق معه بوليميك سياسي يمتد لفترات طويلة، لكن لم يكن له أثر على الخارطة الانتخابية ونتائجها؛ ومن جهة أخرى، المنهج الذي تعتمده أحزاب الأغلبية، بالعمل في صمت، والتواصل الحثيث مع المناضلين الحزبيين، والاقتراب الميداني من المواطنين دون الالتفات لما تقوله المعارضة، وهو ما نتجت عنه الهيمنة الواضحة للأغلبية الحكومية على نتائج الانتخابات الجزئية.
ويمكن القول إن المعارضة هي من وضعت نفسها في هذا المقام من الضعف، لعدة أسباب، إذ أنها تعتبر معارضة ضعيفة، سواء من حيث العدد أو الأداء؛ فهي معارضة مشتتة، لا تُنسق بين مكوناتها، ولا تخطط للبرامج ولا للسياسات المعارضة للحكومة، كما أنها بنت خطاب المعارضة على انتقاد الحكومة وتبخيس أعمالها، دون طرح بديل سياسي للمشاريع الحكومية، وهو ما فشل في تعبئة الناخبين وإقناعهم بالتصويت لها. ولعل أبرز دليل على ذلك هو الشرخ الكبير الذي خلفه ملتمس الرقابة، الذي وُلد ميتًا، وتبادل الاتهامات بين مكونات المعارضة.
هذه الانتخابات الجزئية شكّلت امتحانًا سياسيًا تجريبيًا، وتمرينًا لما قد يقع في الانتخابات التشريعية القادمة، ويمكن الأحزاب المشاركة فيها من الوقوف على مكامن الضعف التي يجب معالجتها، ونقاط القوة التي يجب استثمارها لتحسين النتائج واحتلال مراتب أفضل مستقبلًا. حيث يظهر أن أحزاب الأغلبية على أتم الاستعداد لخوض غمار الانتخابات المقبلة، وأن هناك ارتياحًا لدى الناخبين بخصوص أدائها، والنتائج المحصل عليها، والأهداف التي تم تحقيقها. فيما يظهر أن أحزاب المعارضة توجد في وضعية كارثية، حيث فقد بعضها معاقل انتخابية كانت تدين بالولاء التام لها، لكنها أصبحت محط اختراق حزبي، وهو ما يفرض على هذه الأحزاب التفكير في تغيير طريقة عملها، ومراجعة سياستها الانتخابية، وتعديل خطابها السياسي بما يتماشى مع انتظارات المواطنين، الذين ينشدون التنمية، وتحسين مستوى العيش، وخلق فرص الشغل، عوض نهج منطق السباب، واستعمال معجم الشعبوية، وإعادة إنتاج البؤس السياسي، الذي لن يحقق أي تقدم ولا تطور ينعكس على حياة المواطن.