أخبار الدارسلايدر

خطاب العرش : رسائل قوية وأوراش مفتوحة

بقلم/ياسين المصلوحي

بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خطابًا إلى الشعب المغربي، كما دأب على ذلك هو وأسلافه الميامين، كمحطة للتواصل بين الملك والشعب. وقد جاء خطاب هذه السنة متميزًا بمضامينه المتعددة والدقيقة في نفس الوقت، حيث استهل نصره الله خطابه بالتذكير أن عيد العرش مناسبة سنوية لتجديد روابط البيعة المتبادلة، ومشاعر المحبة والوفاء التي تجمع الملك بشعبه، وكذلك محطة للوقوف على ما تم تحقيقه من مكاسب، وما هو منتظر من مشاريع وتحديات، والتوجه نحو المستقبل بكل ثقة وتفاؤل.

كما أكد جلالته حرصه على بناء مغرب متقدم، متضامن وموحد، مشيرًا إلى أن ما تم تحقيقه ليس عشوائيًا ولا وليد الصدفة، وإنما هو نتيجة رؤية متبصرة، واختيارات استراتيجية تنموية، في ظل الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي ينعم به المغرب.

ومن هذا المنطلق، أكد حفظه الله حرصه على تعزيز مقومات الصعود الاقتصادي والاجتماعي، طبقًا للنموذج التنموي الجديد، الذي يقاوم مجموعة من المعيقات مثل الجفاف والأزمات الدولية، حيث حافظ الاقتصاد الوطني على نسبة نمو هامة ومنتظمة خلال السنوات الأخيرة، مع اعتبار قطاعات السيارات، والطيران، والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية، والسياحة، رافعة أساسية لاقتصاد المغرب الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات أو خلق فرص الشغل، مع إشارته الشريفة إلى أوراش البنى التحتية التي شرع فيها المغرب.

كما شدد جلالته على أنه لا يمكن الحديث عن تنمية إذا لم تنعكس، بشكل ملموس، على ظروف عيش المواطن من كل الفئات الاجتماعية، وفي كل المناطق المجالية، في إشارة إلى ضرورة محاربة الفوارق المجالية، خصوصًا في العالم القروي، الذي لا تزال بعض مناطقه تعاني الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. حيث عبّر جلالته، مباشرة، عن أنه لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين.

وهو ما كرّس ضرورة إحداث نقلة حقيقية في تأهيل المجالات الترابية، وتدارك الفوارق المجالية، من خلال دعوته الكريمة للحكومة من أجل اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية. تقوم هذه البرامج على دعم التشغيل، وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، واعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية، وإطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج.

هذه المشاريع، النابعة من السياسة العامة، لا بد لها من حكومة وأجهزة تنفيذية قوية، لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال انتخابات تشريعية نزيهة ومنظمة بإحكام، حيث أكد جلالته على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية. كما أعطى توجيهاته السامية لوزير الداخلية من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.

وقد ذكر حفظه الله بحرص المغرب على الانفتاح على المحيط الجهوي، خصوصًا مع الشعب الجزائري، والإبقاء على سياسة اليد الممدودة ، على اعتبار أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا، والمصير المشترك، مع التمسك بالاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي لتنمية المنطقة الإقليمية.

ولم يفوّت جلالته الفرصة للتنويه بالمواقف الدولية المؤيدة للقضية الوطنية، المناصرة للحق والشرعية، والداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية.

كما اغتنم جلالته مناسبة الخطاب لتوجيه تحية إشادة وتقدير، لكل مكونات القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، تحت قيادته، للدفاع عن وحدة الوطن وأمنه واستقراره، واستحضاره للأرواح الطاهرة لشهداء المغرب الأبرار، وفي مقدمتهم جلالة الملكين المنعمين محمد الخامس والحسن الثاني، أكرم الله مثواهما.

زر الذهاب إلى الأعلى