
الرباط – أحمد البوحساني
في قرار قضائي وصف بالهام وغير المسبوق، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من المواد المدرجة ضمن القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية، معتبرة أن هذه المقتضيات تمس بحقوق دستورية جوهرية، وعلى رأسها الحق في الدفاع، ومبدأ الأمن القضائي، وضمانات المحاكمة العادلة.
وجاء هذا القرار عقب إحالة القانون في صيغته النهائية على المحكمة الدستورية من طرف رئيس مجلس النواب، بعد أن صادق عليه مجلس المستشارين في قراءة ثانية.
من بين أبرز المواد التي تم إسقاطها، المادة 17، التي كانت تمنح النيابة العامة حق الطعن في الأحكام القضائية دون التقيد بأي أجل، وهو ما اعتبرته المحكمة مسا صريحاً بحجية الأحكام النهائية وبمبدأ الأمن القضائي، مما يجعله مخالفاً للدستور.
وفي السياق ذاته، أسقطت المحكمة المادة 84، وتحديداً المقطع الأخير من فقرتها الرابعة، الذي كان يجيز اعتبار التبليغ القضائي صحيحاً إذا تسلّمه أي شخص صرّح أنه من أقارب المعني أو من الساكنين معه، شرط أن يكون ظاهره يدل على بلوغه سن 16 سنة. وقد اعتُبر هذا المقتضى غير كافٍ لضمان حقوق الأطراف المعنية بالتبليغ، وقد يفتح الباب لتبليغات صورية تمس بمصداقية الإجراءات القضائية.
كما طالت رقابة المحكمة الدستورية مواد أخرى تتعلق بحقوق الدفاع، منها المادة 90 التي تنص على إمكانية حضور الأطراف أو من ينوب عنهم في الجلسات عن بعد، والمادتان 107 و364، اللتان تمسكان بحق المحامين في التعقيب على مذكرات وملاحظات المفوض الملكي، وهو ما رأت فيه المحكمة إخلالاً بمبدأ تكافؤ وسائل الدفاع بين أطراف الخصومة.
ومن بين المقتضيات الأخرى التي تم إسقاطها:
•المادة 288 المتعلقة ببعض الإجراءات المسطرية.
•المادة 339 في فقرتها الثانية.
•المادتان 408 و410 اللتان منحتا للوزير المكلف بالعدل صلاحية تقديم طلبات الإحالة بسبب “الاشتباه في تجاوز القضاة لاختصاصاتهم أو التشكك المشروع”، وهو ما اعتبر مسا خطيراً باستقلالية السلطة القضائية.
وشملت لائحة المواد غير المطابقة للدستور أيضاً المواد: 624 (الفقرة الثانية) و628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة).
لم يتوقف قرار المحكمة عند إسقاط المواد بشكل مباشر، بل امتد ليشمل عشرات المواد الأخرى التي ورد فيها إحالة على الفقرة المثيرة للجدل من المادة 84، مثل المواد: 97، 101، 103، 105، 123، 127، 173، 196، 204، 229، 323، 334، 352، 355، 357، 361، 386، 500، 115، 138، 185، 201، 312، و439، حيث اعتبرت المحكمة أن كل هذه المواد غير مطابقة للدستور لارتباطها المباشر بمقتضى مخالف.
يعد هذا القرار محطة فاصلة في مسار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، حيث أعادت المحكمة الدستورية التأكيد على ضرورة احترام المبادئ الدستورية في كل القوانين التنظيمية، خصوصاً تلك التي تمس الحقوق الأساسية للمواطنين.
ويُرتقب أن يُحدث هذا القرار تأثيراً مباشراً على المسطرة التشريعية، إذ سيجبر المشرّع على إعادة النظر في عدد من النصوص الجوهرية، بما يضمن ملائمتها مع روح ومقتضيات دستور 2011، وخصوصاً المبادئ المرتبطة بحقوق المتقاضين، واستقلالية السلطة القضائية، وضمان المحاكمة العادلة.