سلايدرمغرب

المغرب يرسم مع الصين ملامح توازن جديد لحسم نهائي لملف الصحراء المفتعل

بقلم/ ذ/الحسين بكار السباعي

تكتسي زيارة وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة إلى بكين أهمية تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تأتي في لحظة دقيقة تشهد فيها العلاقات المغربية الصينية زخما متصاعدا منذ إرساء الشراكة الإستراتيجية بين البلدين سنة 2016، وتكريسها بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الدار البيضاء في نونبر 2024. هذه الدينامية تضع المغرب في قلب الإهتمام الصيني كمحور إستقرار إقليمي وبوابة لولوج إفريقيا وأوروبا، فيما تمنح المملكة هامشا دبلوماسيا واسعا لتعزيز مصالحها الإستراتيجية وربطها بالتحولات الجارية في النظام الدولي.

إن ما يجعل هذه الزيارة إستثنائية بإمتياز، هو إرتباطها المباشر بملف الصحراء المغربية، حيث تراهن المملكة على أن تشكل الصين، بإعتبارها قوة دولية وعضو دائم في مجلس الأمن، بالدفع نحو حل واقعي يقوم على مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. الصين التي إعتادت بالنظر لتاريخها الديبلوماسي، إنتهاج سياسة الحياد الحذر إنسجاما مع مبدئها في إحترام سيادة الدول، تجد نفسها اليوم أمام معادلة جديدة، فإستمرار الجمود الذي تعمل الجزائر على تكريسه، سيدفعها إلى السعي جاهدة لطي نزاع مفتعل يهدد الإستقرار في شمال إفريقيا والساحل، بإعتبارها منطقة ترتبط فيها مصالحها الحيوية بالأمن الطاقي وتوسيع مشاريع “الحزام والطريق”.
في ظل هذا الواقع، تعمل الدبلوماسية المغربية على إستثمار العمق الإقتصادي لتقوية البعد السياسي، من خلال المراجعة الجارية للإتفاقيات الإستثمارية القديمة، وتشجيع إطلاق شراكات صناعية وإستراتيجية جديدة مع بكين. فكلما ترسخت المصالح الاقتصادية المتبادلة، كلما إزدادت إحتمالية أن تتحول المواقف الصينية من حياد جامد إلى إقتناع عملي بجدية المبادرة المغربية، في إطار صياغة دبلوماسية مرنة تحفظ توازن مصالحها مع الجزائر.
فلا يخفى أن الصين تحاول منذ سنوات المحافظة على توازن دقيق بين المغرب والجزائر، بإعتبارها لا زالت ترتبط بمشاريع طاقية مع الجارة الشرقية، مقابل إستثمارات صناعية ولوجستية متنامية في المملكة. غير أن المغرب يراهن على أن الإنفتاح الاقتصادي العميق والإلتزام بالإستقرار السياسي سيجعلانها الخيار الأكثر ضمانا للصين على المدى الطويل، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة صياغة لغتها داخل أروقة مجلس الأمن بما ينسجم والحسم النهائي لملف الصحراء المفتعل.

ختاما، إن زيارة ناصر بوريطة إلى بكين ليست محطة عابرة، بل حلقة في سلسلة من التحركات الدبلوماسية التي تروم بناء كتلة دعم واسعة لمبادرة الحكم الذاتي، خاصة في ظل إقتراب استحقاقات أممية جديدة لحسم ملف الصحراء المغربية. وإذا ما أضيف هذا الحراك إلى دعم الولايات المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة وفرنسا والبرتغال وألمانيا ودول وازنة من إفريقيا و أمريكا اللاتينية ، فإن إستمالة الصين أو حتى دفعها إلى موقف “متحفظ إيجابياً” قد يشكل ورقة حاسمة في إعادة صياغة التوازن داخل مجلس الأمن. فزيارة اليوم تتجاوز الإستثمار والتعاون الإقتصادي، لتلامس جوهر الرؤية المغربية في إستثمار التحولات الدولية من أجل الحسم النهائي لملف ورثناه عن آبائنا ولا نريد أن نوثه لأبنائنا.

محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى