
ذ/الحسين بكار السباعي
يعرف المغرب في المرحلة الراهنة، مشهدا مميزا تتناوب فيه الأضواء بين منصات المهرجانات المختلفة ومظاهرات الشارع العام ، في صورة توحي بوجود إيقاع مزدوج يعكس عمق التناقضات الإجتماعية والسياسية. تناقض بين أموال طائلة تنفق على تنظيم مهرجانات موسيقية وثقافية متتالية، لتملأ الفضاء العام بألوان الفرح والإحتفال، وبين ما نقف عليه في الجانب الآخر من فضائنا العام،حيت تتصاعد الإحتجاجات للمطالبة بالعدالة الإجتماعية وفرص العيش الكريم، هذا المشهد الذي يطرح اليوم سؤالا جديا، حول ما إذا كانت المهرجانات مجرد تظاهرات ثقافية بريئة، أم أنها تحولت إلى وسيلة سياسية للإلهاء والتغطية على فشل في التدبير العمومي أو حتى حملات إنتخابية سابقة لمواعيدها القانونية.
وأمام هذا الزخم غير المسبوق من عدد المهرحانات، تتزامن موجات من الإحتقان الإجتماعي، مما يجعلها تقرأ في أذهان فئات واسعة من المواطنين باعتبارها “حملات إنتخابية مبطنة” تستهدف إعادة إنتاج الولاءات أو صناعة صورة وردية عن الواقع. فهي تقدم رسميا بإعتبارها رافعة للتسامح والإنفتاح، غير أن الشارع يرى فيها أحيانا شكلا من أشكال تبذير المال العام وإلهاء عموم المواطنين عن أزماتهم اليومية أمام إرتفاع غير مسبوق للأسعار. ولعل هذا التفسير يكتسب قوة أكبر حين يتقاطع مع فشل السياسات العمومية في تحقيق وعود التنمية، وهو ما يعمق الأزمة ويؤجج منسوب المطالب الإجتماعية.
في مقابل ذلك، تعكس الإحتجاجات المستمرة في عدد من المدن والأرياف، مطالب مشروعة تتعلق بالحق في التعليم والصحة والشغل و العيش الكريم. لترتفغ هتافات المحتجين وتذكرنا جميعا بأن المغرب ليس مجرد صورة إعلامية مسوقة سياحيا عبر المهرجانات الضخمة، بل هو أيضا مجتمع يعاني من تفاوتات إجتماعية صارخة، ومن فجوات تنموية لم تسد رغم الشعارات المرفوعة منذ عقود ومن سرعتين غير متناسبتين . وهنا تتجلى المفارقة الأساس بالنظر إلى مهرجانات تنفق عليها الملايين تحت شعار التنمية الثقافية، بينما فئات واسعة تعاني من غياب أبسط شروط العيش الكريم.
إن هذا التوازي بين البهرجة الفنية والإحتقان الإجتماعي يضع الدولة أمام معادلة صعبة، فكيف يمكن توظيف الثقافة كرافعة للتنمية لا كأداة للتغطية على الفشل ؟ وكيف يمكن للمشهد الفني أن يعكس حيوية المجتمع بدل أن يستعمل كستار يخفي عمق الأزمات أو يستغل حملة إنتخابية سابقة لأوانها؟ إن أي محاولة لتجاوز هذا التناقض تقتضي إعادة التفكير في ترتيب الأولويات، بحيث توجه الموارد إلى الإستثمار في الإنسان أولا، بإعتباره أساس كل تنمية مستدامة، بدل الإكتفاء بتلميع الصورة عبر مواسم فنية عابرة .
ختاما، إن أنغام الشارع المغربي اليوم ليست متجانسة، بل تتوزع بين ألحان صاخبة للمهرجانات، وهتافات غاضبة للإحتجاجات التي تطالب بالكرامة والعدالة الإجتماعية. وما بين الإيقاعين، يطرح السؤال الكبير، هل ستظل المهرجانات أداة لتسويق صورة وردية لفشل في التدبير المؤسساتي وعجز عن تنفيد الوعود الإنتخابية، أم ستتحول المطالب الإجتماعية إلى قوة دافعة نحو إصلاح حقيقي يربط بين الثقافة والتنمية والعدالة الاجتماعية؟
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.