نصف قرن على المسيرة الخضراء… العيون تجدد العهد مع الملك والوطن
نصف قرن على المسيرة الخضراء… العيون تجدد العهد مع الملك والوطن

الدار/ مريم حفياني
تشهد مدينة العيون، عاصمة الأقاليم الجنوبية للمملكة، استعدادات استثنائية وغير مسبوقة للاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، في أجواء تغمرها مشاعر الفخر الوطني والاعتزاز بالانتماء للمغرب الواحد الموحّد. فكل تفاصيل المدينة من ساحاتها الكبرى إلى شوارعها المزدانة بالأعلام الوطنية والأنوار، تعكس ترقبًا شعبياً ورسميًا لحدث تاريخي سيُخلّد مرة أخرى في الذاكرة الجماعية للمغاربة.
ومن المنتظر أن يُشرّف جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيّده، مدينة العيون بحضوره الميمون، مرفوقًا بوليّ عهده الأمير مولاي الحسن، في زيارة تكتسي طابعاً وطنياً واستراتيجياً بامتياز. وتشير المعطيات المتداولة إلى أن الخطاب الملكي السامي بهذه المناسبة سيُوجَّه من قلب العيون، في خطوة تحمل رمزية قوية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه وتجسد عمق ارتباط العرش بالشعب في هذه الربوع العزيزة من الوطن.
الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء لا يقتصر على استحضار حدث تاريخي مضى، بل يمثل تجديدًا للعهد مع روح المسيرة ومع قيم الوحدة الوطنية التي قادت المغرب إلى استرجاع أقاليمه الجنوبية سنة 1975. تلك المسيرة التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، والتي شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية، كانت عنواناً للإرادة الشعبية والسياسية في استرجاع الأرض بالوسائل السلمية، ورسالة حضارية للعالم بأن المغرب لا يتنازل عن شبر من ترابه.
وبعد مرور نصف قرن على هذا الحدث، تحولت الصحراء المغربية إلى نموذج تنموي متكامل، بفضل المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والطرق والموانئ والاتصالات. فمدينة العيون اليوم ليست فقط رمزاً وطنياً، بل أصبحت مركزاً اقتصادياً متطوراً يربط المغرب بعمقه الإفريقي، في وقت تتواصل فيه الجهود لجعلها قطباً حضرياً متكاملاً يواكب الرؤية التنموية الشاملة للمملكة.
ويأتي الاحتفال بهذه الذكرى في ظرف دبلوماسي يشهد تصاعد الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، من خلال فتح قنصليات أجنبية في العيون والداخلة، وإشادة العديد من الدول بمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء. هذه المعطيات تجعل من خطاب الملك المنتظر لحظة سياسية بارزة ستعيد التأكيد على ثوابت المملكة في الدفاع عن وحدتها الترابية، وتبرز مرة أخرى أن الصحراء المغربية ليست قضية حدود، بل قضية وجود وهوية ووطن.
إن اختيار العيون لاحتضان هذه الاحتفالات يعكس الثقة الملكية في رمزية المدينة ومكانتها التاريخية، ويعبّر عن رؤية واضحة مفادها أن الصحراء ليست فقط في قلب المغرب، بل المغرب في قلب صحرائه. هذا التلاحم الذي جسدته المسيرة الخضراء قبل خمسين عاماً، يجد اليوم امتداده في مشاريع التنمية وفي روح الوحدة الوطنية التي تجمع كل المغاربة من طنجة إلى الكويرة.
وبين الاحتفال والرسائل السياسية والإنجازات التنموية، تبقى ذكرى المسيرة الخضراء مناسبة لتجديد العهد مع الوطن، وفرصة لتذكير الأجيال الجديدة بأن الدفاع عن الأرض لا يكون فقط بالشعارات، بل بالعمل والبناء والوفاء للمبادئ التي أسست للمغرب الحديث. فالعيون اليوم ليست فقط مدينة تحتفل، بل مرآة لوطن يعتز بماضيه، ويمضي بثقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس.






