أخبار الدارسلايدر

تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية

تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية

بقلم: ياسين المصلوحي

كما كان منتظرًا، عقب الخطاب الملكي التاريخي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مساء 31 أكتوبر الماضي، على هامش إصدار القرار الأممي عدد 2797، الذي اعتمدت فيه الأمم المتحدة المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للأقاليم الجنوبية، كأساسٍ لحلٍّ عادلٍ ودائمٍ ومقبولٍ، يشكّل الحلَّ الأكثر جدوى لهذا النزاع المفتعل، فقد تم التحرك للانتقال إلى مستوى آخر من الدينامية.
وعلى اعتبار أن المقترح تم تقديمه في 07 أبريل 2007، فإن تحيينه والتفصيل فيه أصبح أمرًا ضروريًا، وهو ما أشار إليه عاهل البلاد في خطابه، وذلك من أجل الانتقال من مقترح شامل إلى مشروع مبلور قابل للتطبيق على أرض الواقع، وبإمكانه إيجاد الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأقاليم الصحراوية التي يستوجب تسييرها نموذجًا خاصًا. كما أن هذا التحيين والتفصيل والتفسير، يمكن من شرحٍ أفضل لمضامينه، وبالتالي ضمان التواصل وحسن الفهم من كل الأطراف المعنية به. كما أن ترجمته إلى إجراءات ومبادرات ميدانية، يساهم فيها كل الفاعلين المجتمعيين من أحزاب سياسية، وجمعيات حقوقية، ومجتمع مدني، وساكنة محلية، تضفي عليه المشروعية أكثر.
ومن بين الأسباب التي تفرض تحيين هذا المقترح، التغيرات السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب عمومًا، والأقاليم الجنوبية على وجه التحديد، حيث إن هذا المقترح جاء قبل دستور 2011 المليء بالمستجدات الحقوقية والحريات العامة، والذي نصّ على الجهوية المتقدمة كنظام إداري وتنموي يقوم على نقلٍ واسعٍ للصلاحيات والاختصاصات من الدولة إلى الجهات، وما أعقبه من قوانين تنظيمية للجماعات الترابية، من مجالس جماعات محلية، ومجالس الإقليم والجهة، وكذلك ميثاق اللاتمركز الإداري لسنة 2018، والتقارير ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي مثل تقرير الخمسينية، والنموذج التنموي الجديد، وتقارير هيئات الحكامة، خصوصًا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وهناك من المتتبعين من يتوقع تعديل الدستور المغربي وبعض القوانين التنظيمية، لملاءمة التصور المغربي للحكم الذاتي في المناطق الصحراوية، حيث يجب إعادة صياغة مقترح الحكم الذاتي أخذًا بعين الاعتبار كل هذه المتغيرات السياسية والاجتماعية، والإنتاجات المؤسساتية، والتقارير المرافقة، ليكون المقترح أكثر توافقًا وتماشيًا مع المغرب الحديث وتطلعات الساكنة المحلية، وأكثر جذبًا لإخواننا الصحراويين في المخيمات من أجل العودة إلى وطنهم، كما دعا إلى ذلك ملك البلاد.
تُعتبر محطة تفصيل وتحيين مقترح الحكم الذاتي فرصةً ذهبيةً ومهمةً للقوى الحية في المجتمع، من أجل المساهمة في بناء مغرب الغد وتشييد صرح الديمقراطية، حيث إن الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات الحقوقية، والمجتمع المدني، والفاعلين الإعلاميين، مدعوون لترك الخلافات جانبًا، والانتصار للحظة الإجماع الوطني، وتقديم مقترحاتٍ وأفكارٍ بنّاءة، وتصوراتٍ موضوعية لطريقة تنزيل الحكم الذاتي، بما يضمن تحقيق تنمية محلية يستفيد منها المواطن، وتجد حلًّا لصراعٍ سياسيٍّ مفتعلٍ عمر لسنوات.
كما أنها فرصة سانحة لتقريب المسافات بين التصورات الاستراتيجية للدولة، التي ينزلها ملك البلاد، والمشاريع السياسية التي تقدمها القوى السياسية الفاعلة للمواطنين، وتوحيد وجهات النظر خدمةً للمصلحة العليا للوطن. وهي أيضًا امتحانٌ حقيقيٌّ للنخب السياسية التي تمت دعوتها خلال الاجتماع رفيع المستوى، الذي انعقد بتعليمات من صاحب الجلالة برئاسة مستشاريه ووزير الخارجية ووزير الداخلية، لإعداد مذكراتهم الحزبية التي تتضمن تصوراتهم ومقترحاتهم في ورش تحيين وتفصيل المقترح، للوقوف على مدى النضج السياسي والتسييري الذي يتمتعون به من عدمه، ومعرفة المستوى الحقيقي لنخبنا السياسية، ومدى جاهزيتهم للمساهمة في المحطات المفصلية التي يمر منها الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى