تجربة الهند تاريخا ومجتمعا تحت مجهر خبراء بمقر أكاديمية المملكة المغربية
ختمت أكاديمية المملكة المغربية محور “الهند.. تجارب في التحديث والتنمية” ضمن جلسات دورتها ال46، عشية اليوم الخميس، بالنبش في تجربة هذا البلد، تاريخا ومجتمعا.
ويتعلق الأمر بجلسة رابعة ضمن تلك المخصصة للهند، سلط فيها ثلة من الخبراء والأكاديميين الضوء على خصوصية المجتمع الهندي منذ استقلاله عن التاج البريطاني قبل نحو 70 سنة، والكتابات التي خص بها المؤرخون هذا البلد، لا سيما من زاوية اعتباره شرقيا “بكل يمثله من سلبية” في نظر المستعمر الذي كان يصف “كل بلد خارج أوربا بالشرقي”.
وأوردت الباحثة الأكاديمية الهندية أبارنا فايديك، في مداخلتها بعنوان “اتجاهات التاريخ في الهند”، أن كتابة هذا التاريخ مرت بثلاث مراحل بدأت مع القرن ال19 من خلال قصص وروايات من وحي المستعمر البريطاني صورت البلد كمنطقة أدغال وعنف وفوضى وكموطن أيضا للروحانيات، وهي صورة شملت مناطق إفريقيا والشرق الأوسط والصين آنذاك، في مقابل أوربا التي كان المؤرخون الغربيون يقدمونها بشكل وردي.
وواصلت فايديك، الأستاذة المبرزة في التاريخ، بالقول إن نهاية القرن ال19 جسدت لظهور كتابات وطنية تؤرخ للهند ب”طريقة أدبية تمجيدية” على غرار مساهمات الكاتب جواهر لال نهرو، لتأتي مرحلة الاستقلال التي أبرزت كتابات تميزت بطابعها الاقتصادي ومواكبة السيرورة نحو التقدم والعصرنة.
وخلصت إلى أن المؤرخين ورجال الفكر الهنود مطالبون، اليوم، بمحو الصورة النمطية التي رسمت لدى الغرب عن الهند، وإظهارها كبلد صاعد في نادي الكبار على الصعيد العالمي.
من جهتها، تناولت الباحثة والكاتبة الهندية ماينا تشاولا سينغ في عرضها جانبا من الواقع الاجتماعي، لاسيما على مستوى مقاربة النوع ووضعية المرأة، حيث عبرت عن الأسف لكون مضامين دستور بلادها ضعيفة الأثر على الأرض، لاسيما تلك التي تخص المرأة، موضحة أن النساء الهنديات، ورغم تواجدهن وسط مختلف الحملات المطالبة بحقوقهن وكذا اعتلائهن لمناصب عدة وولوجهن لمجالات مختلفة، إلا أنهن يعانين واقعا مريرا “ميزته العنف والتحرش والاغتصاب وقتل الفتيات”.
وأبرزت الباحثة سينغ المهتمة بأوضاع الجالية الهندية في الخارج، أنه بعد 70 سنة من الاستقلال، لم تتخلص الهند بعد من “العقلية الأبوية والأفكار النمطية” التي لازالت سائدة، خاصة في المناطق النائية.
وتطرق الباحث الفرنسي جول نوضي، من جانبه، للنظام الطبقي في الهند الذي وصفه ب”المعقد”، وما يشوبه من “فوارق شديدة”، مشيرا إلى أن ذلك يدخل في حكم “التقاليد الموروثة القديمة والعتيقة التي لا معنى لها اليوم”.
وتوقع السيد نوضي، العضو بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس والباحث في مركز دراسات الهند وجنوب آسيا، بأن هذا النظام الذي يطلق عليه “نظام الطبقات المغلقة”، آيل للزوال، وأن الأمر مسألة وقت ليس إلا، ملاحظا ضرورة التوفر على إطارات قانونية تواكب هذا التحول المرتقب “الذي له ارتباط بالدين وبالوضع الاقتصادي، وله سمة ثقافية إن لم يكن يندرج ضمن اتفاقيات دولية”.
وكانت هذه الجلسة الأخيرة ضمن الجلسات المخصصة للهند، التي استمرت يومين وتمحورت حول “الهند والتحديث”، والهند والتحديات الاقتصادية”، و”الهند في سياق العولمة”.
وكانت أكاديمية المملكة المغربية قد افتتحت دورتها الـ46 مطلع الأسبوع الجاري، حيث اختارت موضوع “آسيا أفق للتفكير” محورا للنقاش. وكانت البداية مع التجربة الصينية (9 و10 دجنبر) تلتها الهند (11 و12 دجنبر)، على أن تتواصل أشغال الدورة مع تجربة اليابان (16 و17 دجنبر)، وذلك بهدف دراسة ومعالجة التجارب الحداثية والتنموية المتطورة في هذه الدول.
وقد سبق للأكاديمية أن عقدت سلسلة دورات حول “إفريقيا أفقا للتفكير” عام 2015، و”من الحداثة إلى الحداثات” عام 2017، و”أمريكا اللاتينية أفقا للتفكير” عام 2018.
المصدر: الدار ـ و م ع