ساديو ماني.. حكاية فتى مُعدِم في قبيلة سينغالية تحول لملك أفريقيا
موقع "الدار" يستعرض مسار حياة اللاعب السينغالي من قرية "بامبالي" إلى ليفربول
صلاح الكومري
حين بلغ المنتخب السنيغالي دور ربع نهائي كأس العالم، في أول مشاركة له في هذه التظاهرة، في دورة 2002، في كوريا الجنوبية واليابان، كان ساديو ماني، الذي توج، أخيرا، ملكا لكرة القدم الأفريقية، ما يزال طفلا لا يتعدى العاشرة من عمره، يتابع منتخب بلاده الوطني عبر إحدى الشاشات مع أصدقائه ورفاقه وأبناء عمومته في قرية “بامبالي”.
وهو يتابع منتخب بلاده في نهائيات كأس العالم 2002، كان ساديو ماني يرتدي ثيابا بالية، بالكاد تغطي جسمه، وحذاء ممزقا، يتفاعل مع منتخب بلاده بقيادة الحاجي ضيوف، في مشاركته التاريخية في مونديال كوريا الجنوبية واليابان، لم يكن يدرك، أو حتى يصدق، أنه سيحل يوما ما محل القائد الحاجي ضيوف، وسيصير قائدا لـ”أسود التيرانغا” في المونديال، بالنسبة له، كان هذا الأمر ضربا من الخيال.
يقول ساديو ماني: “اعتدنا على أن تكون هناك بطولة في قريتنا، كنت دائما ما أذهب هناك لأشاهدها، الجميع كان يخبرني أنني الأفضل في المدينة، لكن عائلتي لم تكن عائلة كروية. إنهم مهتمون بأشياء أخرى غير كرة القدم”.
شاء القدر، أن يصبح ذاك الفتى المُعْدِم، ابن إمام مسجد قبيلة “بامبالي”، ملكا لكرة القدم الأفريقية، بل وأحد أفضل اللاعبين في العالم، وأن تساوي قيمته المالية 155.6 مليون أورو، رقم “فلكي” لم يكن يخطر في مخيلة أشد الحالمين في قرية “بامبالي” السينغالية.
يقول ساديو ماني، عن بداياته الكورية، وكيف تم التقليل من شأنه حين أراد المشاركة في اختبار لاختيار اللاعبين المواهب في العاصمة السينغالية دكار: “لقد ذهبت وكان هناك العديد من اللاعبين يختبرون ويدخلون إلى قوائم فرق أخرى، لن أنسى ذلك أبدا، فقد كان الأمر مضحكا، لكن آنذاك كان هناك رجل كبير حدثني وكأنني في المكان الخاطئ، لقد سألني هل أنا هنا للاختبار، قلت له نعم، فسألني مرة أخرى، هل ستجتاز الاختبارات بهذا الحذاء؟ أنظر إليه، كيف تلعب به؟ إنه ممزق وقديم، وهذا السروال، ألا تملك حتى سراويل كرة قدم مناسبة؟ فقلت إنني جئت بأفضل ما لدي، وأردت فقط اللعب وإظهار نفسي”.
يواصل ماني سرد حكاية بدايته: “عندما وصلت إلى الملعب رأيت المفاجأة بادية على وجهه. لقد جاء إلي وقال لي إنه سيختارني بالتأكيد للعب في فريقه، بعد تلك الاختبارات ذهبت إلى أكاديمية جينيريت فوت.. هكذا بدأت، فقط في الشوارع. عندما كبرت، كنت أذهب لأشاهد المباريات، خصوصا عندما يلعب المنتخب الوطني. أردت أن أشاهد أبطالي وأتخيل نفسي مثلهم”.
لم تكن عائلة ساديو ماني، المتديّنة، تشاطر ابنها لممارسته لكرة القدم، فقد كانت تريده أن يشق مسارا دراسيا متميزا، يقول في هذا السياق: “الجميع كان يخبرني أنني الأفضل في المدينة، لكن عائلتي لم تكن عائلة كروية. إنهم مهتمون جدا بالدين وكانوا يريدون أشياء مختلفة لي، عندما باتوا يرون أن في عقلي وقلبي فقط هناك كرة القدم، بدأت في إقناعهم بتركي أذهب إلى داكار، في البداية لم يوافقوا على ذلك، لكن كلما رأوا رغبتي تتزايد كانوا يساعدوني، عمي كان يساعدني بشكل كبير، لكنه لم يكن الوحيد في البداية، وحين انتقلت إلى داكار، ذهبت للعيش مع عائلة لم أكن أعرفها، عمي كان يعرفهم شخصيا، وهو من أخذني إلى منزلهم، لقد أخذوني واهتموا بي وقاموا بكل شيء لمساعدتي على الاهتمام فقط بكرة القدم، حتى رحلت إلى ميتز الفرنسي”.
في سن 17، بدأ ماني يشق أولى خطوات تحقيق حلمه، حين انتقل لفريق ميتز الفرنسي، ولعب له 23 مباراة أحرز خلالها هدفين، وبعدها انتقل إلى ريد سالسبورغ النمساوي، وقتها، كان متابعا من طرف الألماني يوغرن غلوب، كان الأخير يرى فيه إمكانيات لا يراها في لاعب غيره، فقرر ضمه إلى ليفربول قادما من ساوتهامبتون، حيث لعب لموسمين، فكان له في مدينة ليفربول، موعد مع كل شيء حلم به.
يقول ساديو ماني، في هذا السياق: “أمر جيد للاعبي كرة القدم عدم التفكير كثيرا، خاصة حين يكون عليك الانتقال لفريق كبير كليفربول، لأن مثل تلك اللحظة هي التي تبدأ في إرباك تفكيرك، داخل عقلي، علمت أنني آت لفريق أرادني، لمدرب يعرفني جيدا وللعمل بجد وللمساعدة، ذلك كل ما ركزت عليه، وليس عليك أن تعرف كيف ستسير الأمور أو ما قد يحدث، سواء خير أو شر، لقد تركت عقلي مفتوحا وكنت جاهزا لأي شيء. أنا سعيد للغاية لكوني جزء من فريق يملك موهبة كبيرة، والجميع يعملون لأجل بعضهم البعض”.
الآن، وقد أصبح ماني، أحد أفضل اللاعبين على الصعيد العالمي، وتوج أخيرا بجائزة أفضل لاعب في القارة الأفريقية، يتذكر بداياته بفخر واعتزاز، يتذكر كيف كان يمارس كرة القدم في ملاعب متربة في طفولته، إلى حدود الخامسة عشر من سنه، يقول: “لم أكن لأصدق ما يحصل معي، وضعت حلمي أمامي، وأردت الجري خلفه مهما كانت النتائج، الآن أتأكد أنه لا يوجد شيء مستحيل، ليس في كرة القدم فقط، بل في الحياة أيضا”.