هكذا أسهمت خزائن المخطوطات الخاصة في إغناء الثرات المغربي عبر التاريخ
الدار/ خاص
في هذا المقال يستعرض يوسف أزهار، باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، في عرض وتعريف “دور خزائن المخطوطات الخاصة في إغناء الثرات المغربي”.
ويؤكد الباحث أن ” المهتمين بتاريخ خزائن الكتب يعدون على رؤوس الأصابع، وممن اهتم بهذا الموضوع، وكان له شغف كبير بجمع الكتب المخطوطة النادرة من بقاع العالم هو: العلامة محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني رحمه الله (المتوفى عام: 1382هـ)، والذي ألف كتابا في موضوع المكتبات، والذي عنونه بـ: “تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب”، ثم تلاه العلامة محمد المختار بن علي السوسي رحمه الله (المتوفى عام: 1383هـ)، صنف كتابا سماه: “سوس العالمة” تحدث فيه عن الخزائن الخاصة السوسية، ثم العلامة محمد بن عبد الهادي المنوني رحمه الله (المتوفى عام: 1420هـ)، الذي له مقالات نافعة في الخزائن ومخطوطاتها ينظر على سبيل المثال لا الحصر: “قبس من عطاء المخطوط المغربي”، كما أنه قد فَهْرَس جزءا من خزانة العلامة محمد عبد الحي الكتاني التي آلت إلى المكتبة الوطنية، وما تبقى من الخزانة الناصرية بتمكروت بإقليم زاكورة، ثم جاء بعده الدكتور محمد حجي رحمه الله تعالى (المتوفى عام: 1424هـ)، الذي تحدث عن مجموعة من الخزائن في كتابه: “الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين”، ثم آخرا وليس آخرا الدكتور أحمد شوقي بنبين حفظه الله في محاضراته ومقالاته ومقدمات كتب محققة.
وأشار الى أن القدماء لم يعبروا بلفظ: “مكتبة” عن المكان الذي تجمع فيه الكتب، رغم أصله السامي القديم، بل استعملوا ألفاظا أخرى مثل: “دار الكتب“، و”بيت الكتب“، و”خزانة الكتب“، و”دار الحكمة“، و”بيت الحكمة“، و”خزانة الحكمة“، و”دار العلم“.
ومن يطلع على كتب التاريخ والحضارة في المغرب يجد أن لفظ: “خزانة” هو الشائع في الاستعمال، فاستمر إلى اليوم يطلق على المؤسسات التي تحفظ الكتب على اختلاف أصنافها وأنواعها، وأما لفظ: “مكتبة” فيطلق على الدكاكين أو الأكشاك التجارية التي تمارس بيع وشراء الكتب.
لمحة تاريخية عن أنواع الخزائن:
إن الخزانة بالمغرب، يعتقد بعض الباحثين أن أصلها يرجع إلى رفوف المصاحف الشريفة بالمساجد، التي بنيت بالمغرب الأقصى إبان الفتح الإسلامي، حيث أقام بعض القراء الفاتحين أو ممن جاء بعدهم يعلمون سكان هذه البلاد القرآن الكريم حفظا وكتابة، وبعد تأسيس جامع القرويين سنة 245 للهجرة الموافق لـ: 858 للميلاد، تكاثر عدد مهاجري القيروان والأندلس إلى فاس، وفيهم فقهاء ومدرسون حملوا نواة الخزانة العلمية الأولى، التي ربما لم تكن أيضا غير رف أو رفوف في أحد أركان الجامع قبل أن تخصص لها إحدى المقاصير حين جدد الجامع سنة 345 للهجرة الموافق لـ: 956 للميلاد، وهكذا عرفت الخزانة تطورا عبر من تولى زمام المغرب عبر العصور.
إن الباحث في تاريخ الخزائن في المغرب، يجد أنها على العموم أصناف ثلاثة: الخزانة الملكية، والخزانة العامة، والخزانة الخاصة، ولقد لعبت كلها دورا أساسيا في تطوير الثقافة وفي الحفاظ على التراث المخطوط في هذا البلد، لاسيما الخزائن الخاصة ويعبر عنها كذلك بخزائن الأفراد، وهي خزائن الأمراء، والوزراء، والعلماء، والأعيان، وقد اشتهر الكثير من بينهم بمجموع الأرصدة التي تجمعت لديهم عن طريق الشراء، أو النسخ والاستنساخ، أو الإهداء، أو غيرها. فلا يمر عصر من العصور إلا وذكرت أسر مختلفة عرفت لها مكتبات خاصة، فمن مميزات هذه الخزائن أنها كانت مفتوحة في وجه الباحثين، خصوصا من بين أصحاب مالكيها يقرأون الكتب وينسخونها ويستعيرونها عند الحاجة، وأنها أصبحت محطة عناية خاصة وتخصص لها غرفة مزودة بأدوات النسخ ومواد الكتابة من ورق وكاغد وما إلى ذلك.
وقد دخلت الخزانة الخاصة مرحلة تاريخية مهمة، كما عرفت تحولا هاما بعد الاستقلال، وبالأخص مع بداية عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي أشرع أبوابها لكافة الباحثين على اختلاف مشاربهم رغم كونها مكتبة خاصة، فاستفادوا منها وألفوا المؤلفات برسمها.
ثم أتت مرحلة التطور في عهد الملك محمد السادس حفظه الله، الذي سار على نهج أبيه الملك الحسن الثاني رحمه الله؛ إذ لم يدخر وسعا في الحفاظ على إرث هذه الأمة وتنميتها وإغنائها، إما بالعناية المباشرة، أو عن طريق المؤسسات الوصية، وذلك بتشجيع وتحفيز أصحاب الخزائن الخاصة للحفاظ على تراث المغرب الزاخر الغني.
إن هذه الخزائن الخاصة، ملكية كانت أو أميرية أو في ملك أسرة عالمة معينة، قد كان لها دورا فعالا في الحفاظ على الكثير من التراث المخطوط، وما زال الكثير منها يصون هذا التراث، ومما يؤسف له أن الكثير من أصحاب هذه المجموعات يبخلون بإخراج ما لديهم من مخطوطات بالرغم من الوسائل التشجيعية التي ابتكرتها الدولة المغربية لجلب أصولها أو مصورات منها؛ كجائزة الحسن الثاني للمخطوطات التي أنشأتها وزارة الثقافة في أواخر الستينيات، إذ عن طريق هذه المبادرة تم نفض الغبار عن عدد كبير من ذخائر الوثائق والمعاهدات والمراسلات المخطوطة وإحياءها، وقد استفاد منها ثلثة من الباحثين في المغرب وخارجه، ثم حققت وطبعت فأخرجت في أحلى حلة لعموم الناس، فهذه تعتبر خدمة للإنسانية جمعاء.
وخلاصة القول: إن خزائن الكتب الخاصة وما حوته من مخطوطات هو إرث هذه الأمة، لا يقدر بثمن، فهو كنزها ومرجعها لكل واحد الحق فيه، ولكي يصان هذا الكنز ويحافظ عليه، فلابد أن يظل تحت أيادي سليمة لئلا يعبث به العابثون، برعاية مؤسسات الدولة.