ورطة المؤسسات الدينية مع “تفكيك خطاب التطرف”
منتصر حمادة
في سياق تفاعل المؤسسات الدينية الرسمية مع الشق الديني/ العقدي لظاهرة "التطرف العنيف"، أو "الإرهاب باسم الدين"، أطلقت مؤخراً مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، سلسلة جديدة من دفاتر "تفكيك خطاب التطرف"، وكذا الصيغة الجديدة لمنصة "الرائد لتفكيك التطرف"، ويتعلق الأمر بسلسلة تم إعدادها من طرف المؤسسة المعنية عبر وحدتها المختصة في "تفكيك خطاب التطرف" [كذا]، من خلال "تفكيك عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية" التي تستند إليها الحركات الإسلامية القتالية أو "الجهادية"، والتي "يُحرفها دعاة التطرف والإرهاب، ويبنون عليها خطابات المفاصلة والكراهية، والعنف"، كما نقرأ في بلاغ صادر عن المؤسسة.
جاء في البلاغ ذاته، أن هذه المبادرات، تأتي "حرصاً من مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء على النهوض بدورها، اضطلاعاً بالتوجيهات السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في العكوف، دراسةً وبحثاً، على خدمة البعدين المعرفي والمضموني، لديننا الحنيف".
تضمنت الدفعة الجديدة من هذه المساهمات عشر دراسات، نذكر منها مثلاً العنوانين التالي: "أهمية المذهبية الفقهية وأثر اللامذهبية على واقعنا المعاصر"، بقلم أحمد عبادي، وهو أيضاً أمين عام المؤسسة، "تقريب القول في تفكيك خطاب التطرف الديني" بقلم عبد الله معصر، وهو أيضاً رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، (مركز بحثي تابع للرابطة)، "المقاصد الكلية للدين الإسلامي، وأهميتها في مواجهة ظاهرة التطرف" لمولاي المصطفى الهند، رئيس مجموعة البحث في تجديد الفكر الإسلامي، وحوار الحضارات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية، وأخيراً "العمل التزكوي ونقض مقولات التطرف" لعبد الصمد غازي، وهو باحث في المؤسسة ذاتها (مع الإشارة هنا إلى أن المقصود بالعمل التزكوي هو العمل الصوفي، وهذه نفس الملاحظة التي نعاينها في أعمال طه عبد الرحمن، ابتداءً من 2012، حيث لم يعد يتحدث عن العمل الصوفي، وإنما يتحدث عن "العمل التزكوي"، مع أنه يقصد بذلك التصوف تحديداً، وليس هذا مقام الخوض في أسباب تبني هذا المفهوم دون الآخر).
وحده الزمن النقدي الذي سيتكفل بتقييم وتقويم هذه المبادرات التي لا يسعنا إلا التنويه بها، مبدئياً، بصرف النظر عن لائحة مؤاخذات، تهم شكل ومضامين هذه الأعمال، ولكن ليس هذا موضوعنا هنا في هذه المقالة، ومن ذلك مثلاً، التوقف عند مرجعية المشتغلين على تحرير هذه الأعمال، حيث نجد بعض الأقلام التي كانت محسوبة على المرجعية الإسلامية الحركية، أو لا زالت متأثرة بهذه الخطاب، كما نجد بعض الأقلام التي تنتمي إلى المرجعية الصوفية، وخاصة تصوف الطريقة القادرية البودشيشية، وغيرها من المرجعيات.
ومن مؤشرات ما هو متوقع في تفاعل الزمن النقدي سالف الذكر، يمكن تصفح ما صدر منذ الآن، عن بعض الفاعلين الإسلاميين المغاربة، من المحسوبين على المرجعية الإسلامية "الجهادية"، كما تعج بذلك مواقفهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ندري إن كانت المؤسسة المعنية، على اطلاع على هذه التفاعلات النقدية، نقول هذا ونحن نعاين غياباً واضحاً لخطاب المؤسسة الدينية وباقي المؤسسات الدينية المغربية، في مواقع التواصل الاجتماعي، مع علمهم اليقيني بأن الطبيعة [الرقمية] لا تقبل الفراغ.
ولكن في المقابل، نزعم أن المؤسسة ذاتها اطلعت على مجموعة مقالات صدرت عن إسلاميين "جهاديين"، انخرطوا في مراجعات، وأصبحوا اليوم، في مقدمة الأقلام الإسلامية الحركية المدافعة عن خيار "المراجعات"، وهي أقلام امتلكت بعض أو كثير شجاعة علمية وأخلاقية لتحرير مقالات تروم تقييم وتقويم الدفعة الأولى من هذه السلسلة التي تشرف عليها المؤسسة ذاتها، والتي صدرت في يناير 2017.
لنتأمل ملياً، دلالات الفارق الزمني بين تاريخ اعتداءات الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وتاريخ انعقاد أولى المؤتمرات العلمية لمؤسسة المجلس العلمي الأعلى ضد الخطاب الإسلامي القتالي، ونُظم في الدار البيضاء، في غضون أبريل 2007، وتاريخ صدور هذه السلسلة النقدية عن مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، ابتداءً من يناير 2017، وقد توقفنا ببعض الإشارات والخلاصات والتوصيات مع هذه القلاقل وغيرها، في مضامين تقرير الحالة الدينية الصادر منذ أشهر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث.
يمكن، على سبيل المثال لا الحصر، تأمل مضامين المقالات التي حرّرها المعتقل الإسلامي السابق نور الدين الحاتمي (من طنجة)، والذي منخرط تقريباً في نفس الخيار الذي تبناه "الجهادي" المصري السابق كرم زهدي الذي يُعتبر أهم نقاط الضوء في مشروع "المراجعات" الإسلاموية "الجهادية"، في نسختها المصرية، بخلاف باقي النماذج والرموز التي كشفت أحداث "الفوضى الخلاقة" (أو "الربيع العربي") أنها كانت تمارس "المراجعات" من باب التقية.
ضمن هذه المقالات للباحث نور الدين الحاتمي، نقرأ مقالة "تهافت تفكيك مفهوم الجهاد" (نُشرت في موقع "الإسلام في المغرب، بتاريخ 16 يوليو 2018)، أو مقالة "تهافت تفكيك مفهوم الجزية" (الموقع ذاته، بتاريخ 28 يوليو 2018)، وخصّ بالنقد، نقد ما صدر في الدفعة الأولى عن مؤسسة الرابطة، حيث توقف عند عديد جزئيات تقتضي التأمل والمراجعة؛ هذا دون الحديث عن لائحة عريضة وعصية على المتابعة والإحصاء، من المقالات والتفاعلات في مواقع التواصل الاجتماعي، ونحسبُ أنها تفاعلات جديرة بالتأمل والتدقيق أو "قل "التفكيك" بتعبير عنوان المشروع الصادر عن المؤسسة، والذي يتضح جلياً أنه في حاجة ماسة إلى تفكيك، ومن يريد التأكد من ذلك، ما عليه سوى تأمل أولى التفاعلات الصادرة هذه الأيام بالذات في العالم الرقمي، في سياق نقد الدفعة الثانية من سلسلة المؤسسة.
مؤكد أن مبادرة المؤسسة تستحق التنويه والتقدير، بصرف النظر عن تأخرها الزمني الدال كما سلف الذكر، ولكن مؤكد أيضاً أن خطاب "تفكيك العنف" الذي تروجه، يحتاج إلى تدقيق وتقييم وتقويم، وواضح أن هذا أمر لا مفكر فيه حتى حدود اللحظة، وهذه لوحدها معضلة علمية ومؤسساتية في آن، نأمل أن تتفطن لها والعمل على تقعيد تبعات التفاعل النقدي الصادر هنا وهناك.