الرابطة المحمدية ومؤسسات وطنية أخرى تطلق مبادرات للتشجيع على القراءة خلال “الحجر الصحي”
الدار / خاص
عكس ما قد يعتقده البعض، لا تعتبر فترة “الحجر الصحي” الذي أملاه تفشي جائحة فيروس “كورونا” المستجد “كوفييد19″، انزواء المرء إلى ركن من البيت ولعن الظلام والوباء وتزجية الوقت في أمور لا تفيد، في انتظار أن يرخي الليل سدوله وإطلالة يوم جديد، والتطلع إلى انتهاء الحجر بعد حين. ف”الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب”، و”الوقت كنز من ضيعه ضاع”.
وبالتالي فلكي يكون وقت الحجر الصحي فاعلا ومثمرا، ولعله يكون أجدى وأنفع من وقت الأحوال العادية، تعددت مبادرات من جهات شتى سعيا إلى تثمين نعمة الوقت بما يحقق الحسنيين، توفير غذاء للعقل وتمضية الوقت في لحظات إمتاع ومؤانسة بعيدا عن الضغوط والهواجس التي تفرزها الظرفية الحالية.
وفي هذا الصدد، وتنويعا للمقروء وإتاحته على نطاق واسع، أعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، بدورها، أنها ستتيح جميع محتويات المنصة الرقمية للرابطة المحمدية للعلماء على الموقع الإلكتروني للمنظمة (www.icesco.org).
وتضم المنصة الرقمية للرابطة المحمدية للعلماء محتويات متنوعة منها منصة الرائد لنشر المعرفة الدينية الآمنة، ودفاتر تفكيك خطاب التطرف، ومتحف العلم والعمران، ومتحف تاريخ العلوم، وبوابة الرابطة.
كما ستوفر هذه المحتويات دروسا علمية رقمية في مجالات العلوم الإسلامية بهدف نشر الإسلام الوسطي المعتدل. وتتضمن أيضا دفاتر لتفكيك خطاب التطرف على الشبكة العنكبوتية وتقديم نموذج تنويري عبر تقنيات حديثة وأدوات معرفية ومفاهيم لغوية دقيقة، و”المتحف الرقمي للعلم والعمران، الذي يعنى بمواقع التراث الثقافي والحضاري والمعارف والمهارات التراثية في بعض الحواضر الإسلامية، ومتحفا ثانيا حول تاريخ العلوم يبرز إسهامات العلماء المسلمين في العلوم الدقيقة”، إلى جانب رابط مباشر للمحتويات الرقمية للرابطة يضم كبسولات رقمية لمواجهة فيروس كورونا، وأبحاثا ودراسات ومجلات ومنشورات علمية ومقاطع فيديو في مختلف العلوم الشرعية واللغوية.
انخراط الرابطة المحمدية للعلماء في تشجيع فعل القراءة والنهوض به في هذه الظرفية الاستثنائية يتجلى، أيضا، في عكوف باحثو الرابطة المحمدية للعلماء، ورؤساء مراكزها على انتاج عدد من المقالات العلمية الرصينة في كيفية مقاربة المنهج الرباني قرآنا وسنة للأوبئة والأمراض المستجدة، متوخين في ذلك الايجاز والاختزال وفق مايقتضية الابحار الرقمي النافع من رصانة واختزال وتكثيف للمعاني، وترسيخا للمعرفة الدينية الآمنة والمتزنة والبانية.
كما تتناول هذه المقالات العلمية منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التحصن من الأمراض والآفات، وأهمية نبذ مشاعر اليأس والقنوط و الأوهام والوساوس في القرآن الكريم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجائحة من قبيل جائحة “كورونا” وما يرافقها من مكوث المواطنين في منازلهم، وازدياد الضغوطات النفسية على عدد كبير منهم
اسهام الرابطة المحمدية للعلماء في التشجيع على فعل القراءة خلال فترة الحجر الصحي، يتجسد أيضا، في توفير المضامين المتزنة للطفولة المغربية، من خلال اصدار مجموعة القصص التعليمية التربوية “مع نصر وبسمة”، التي ازدانت بها أجنحة ثقافة الأطفال في الأكشاك والمكتبات.
ويأتي هذا الإصدار الجديد، حسب الرابطة المحمدية للعلماء، توازيا مع سلسلة “أيمن ونهى” التي تصدرها المؤسسة، معتمدة في ذلك الحكي المدعم بالرسومات.
وتتجلى أهمية هذه السلسلة في الأبعاد التربوية التي توفرها لدى فئة عمرية قد تصل إلى السنة الثانية من التعليم الابتدائي. وبجانب “أيمن ونهى” يعيش أطفال أكبر سنا منهما هم اليافعون، وهم أطفال لهم حاجات نمائية تستوجب مسارا مغايرا في المنهج والحكي والحمولة اللغوية والمعرفية، انطلاقا من متطلبات التربية والتكوين التي تفرضها ثوابت متعددة منها: المستجدات التربوية، وتنامي الحاجات النفسية والمعرفية والعقلية والقيمية، المرتبطة بتنامي العمر الكرونولوجي، وفق ما يستجيب لحاجات الناشئة المتطورة باستمرار، ودعما لما يحدث في الوسط المدرسي.
السلسلة القصصية الجديدة تستحضر أهم المقاربات والبيداغوجيات والمداخل المنهجية والديداكتيكية المعتمدة في المؤسسات التربوية الحديثة المجددة، والتي تقوم أساسا على ثلاث بيداغوجيات هي: “بيداغوجيا القدرات والكفايات” و”مدخل القيم” و”بيداغوجيا الإدماج.
ويعتبر هذا الاختيار إضافة نوعية، وركيزة أساسا من الركائز التي يقوم عليها العمل التربوي كهدف لبناء ذوات المتعلمين، وتطوير المجتمع ووظائفه، كما يكتسي اصدار هذه المجموعة القصصية أهمية قصوى بالنسبة للأطفال واليافعين، لاسيما وأنه يتزامن مع فترة الحجر الصحي، وما تشكله من فرصة ذهبية للأطفال لملازمة القصص الهادفة الحاملة للقيم البانية، والحبلى بالدروس والمهارات الحياتية، علما أن الاعداد الثلاثة من هذه المجموعة القصصية متوفرة على بوابة الرابطة المحمدية للعلماء وبالمجان على www.arrabita.ma.
من جهتها، بادرت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إلى إتاحة طائفة من الكتب الصوتية، يمكن الولوج إليها عبر موقعها على الإنترنت، تتضمن أعمالا لمجموعة من كبار المؤلفين الذين سارت بذكرهم الركبان وخلدوا أعمالا أثرت الأدب العربي، بمن فيهم الجاحظ (البخلاء)، وابن المقفع (كليلة ودمنة)، وابن خلدون (المقدمة)، وطه حسين (الأيام)، ونجيب محفوظ (خان الخليلي).
ووضعت المكتبة الوطنية تحت تصرف القراء أيضا أعمالا لمؤلفين فرنسيين أو مترجمة إلى الفرنسية، تشمل كتاب “Les Misérables” لفيكتور هيغو، و”Hamlet” لويليام شيكسبير، ورواية “Alchimiste” لمؤلفها باولو كويلو، وأيضا “Psychologie des foules” لغوستاف لوبون.
ولكي يكون للأطفال بدورهم نصيب من هذا “الغذاء الروحي”، أتاحت المؤسسة قائمة منتقاة من الروابط تحتوي على كتب صوتية وكتب في صيغة إلكترونية تتغيى تطوير ملكة الإبداع والخيال لدى الناشئة، وتتضمن آلاف القصص التي يمكن مطالعتها عبر الإنترنت أو تنزيلها بالعديد من اللغات.
كما أعلنت المكتبة الوطنية، في مبادرة جديدة، عن تنويع العرض المكتبي وتمكين المنخرطين من الاستفادة من باقات إلكترونية تتضمن آلاف الكتب والمجلات والمواد المرقمنة تتيح للباحثين والطلبة الباحثين والتلاميذ والمهتمين إمكانية الاطلاع على الكتب والمصادر والمراجع في مختلف المجالات والتخصصات العلمية خلال فترة الحجر الصحي.
ووضعت المؤسسة كذلك تحت تصرف عموم الطلبة والباحثين، على بوابتها الإلكترونية، قائمة “معتبرة ومميزة” من ناشرين ومكتبات وموردين في مجال البحث والمعرفة يتيحون جل محتوياتهم الإلكترونية أو بعضها، مجانا، وفي صيغة قابلة للتحميل، وذلك ضمن مبادرة حملت عنوان “#غي_بكليك_مكتبات_العالم_بين_يديك”.
وتحفيزا للناشئة على الإقبال على “خير جليس”، انخرطت جهات فاعلة في الشأن الثقافي على الصعيد الجهوي في تنظيم مسابقات في تحدي القراءة لفائدة التلميذات والتلاميذ سعيا إلى حفز فعل القراءة والمطالعة لديهم خلال هذا الظرف الاستثنائي وإبراز مواهبهم وقدراتهم الإبداعية في التعبير عن أفكارهم وتقديم وتلخيص الكتب والقصص والروايات بمختلف اللغات.
وبالنظر إلى أن الظرفية الحالية لا تخلو من قلق وترقب، كان لزاما التفكير في سبل تقديم الدعم النفسي. وفي هذا الصدد أحدثت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، خلية للإنصات والدعم النفسي والتربوي عن بعد، تضم أساتذة في علم النفس وأخصائيين نفسانيين، سيسهرون على توفير خدمات المرافقة والدعم النفسي عن بعد عبر التواصل مع المتعلمين الذين يواجهون صعوبات في التأقلم مع الوضع الراهن في ظل الحجر الصحي الذي يعيشونه بهدف الاستماع للصعوبات التي يواجهونها في هاته المرحلة الحساسة، ومتابعتهم وتقديم الدعم النفسي لهم.
وتتكون خلية الإنصات من 16 من المتدخلين والفاعلين التربويين، سيقدمون خدمات إرشادية للمتعلمين والمتعلمات للتغلب على المشاكل النفسية والضغط والتركيز، وكذلك التغلب على المشاكل السلوكية، والتعلمية والمعرفية، وصعوبات تقبل الوضع مع الأسرة في هذه الظروف، فضلا عن توجيه الآباء والأمهات لطرق التعامل مع أبنائهم، وتقديم الاستشارات النفسية والتربوية اللازمة في الأزمة الراهنة والمساعدة على تجاوزها.
وستتيح الجامعة أيضا، على موقعها، أشرطة فيديو علمية لأجل تقوية المناعة النفسية والعصبية لمواجهة الضغوط التي تسببها الجائحة، ومواكبة الطلبة في وضعية معاناة نفسية جراء الحجر الصحي عن طريق الاستماع والتوجيه والإرشاد من طرف خبراء في مجال الدعم والإرشاد النفسي عن بعد.