“أسكاس أمباركي” بالخير لكل مغربية ومغربي
بقلم: يونس التايب(*)
نحتفل، اليوم ونهاية هذا الأسبوع، في المغرب بمناسبتين تبعثان الأمل الراسخ في الوجدان الشعبي. المناسبة الأولى أصلها قديم، يؤرخ لعراقة الأمة المغربية، ويعزز تميزها الثقافي وحضورها الثقافي. والمناسبة الثانية، عمرها خمس وسبعون سنة، تؤرخ للحظة انبثاق إرادة وطنية ترفض الاستعمار، وترنو إلى بناء دولة وطنية قوية وذات سيادة.
ولأنني في دواخلي لا أتمثل تميز هويتنا المغربية الوطنية العظيمة، إلا باستحضار ثلاثة مرتكزات هي:
1 – العمق التاريخي للهوية المغربية الممتد لثلاثة ألاف سنة تقريبا، برسوخ حضورها الإنساني.
2 – تجدر الهوية الثقافية المغربية المنفتحة على الحياة وعلى الأمل وعلى التقدم، منذ أزيد من ثلاثة عشر قرنا، على أساس الإسلام الأصيل السمح، المرتكز على صفاء الإيمان ونورانيته وزهده، وتحفيزه لنزوعات التقوى والصلاح والخير، و رفض الشر والتجرد من الأنا، و المستنكر لنفاق التوظيف الفئوي والتدافع الدنيوي والاستعلاء السياسوي.
3 – استدامة و استرسال اليقين بالهوية الوطنية المغربية المناضلة، عبر التاريخ، من أجل الحرية والانعتاق من أي استعمار، والمنكبة على تعزيز أركان الدولة الوطنية الجامعة.
أقول لكل مغربية ومغربي… أسكاس أمباركي… و سنة جديدة ملؤها المحبة والخير والسؤدد… وكل سنة والمغرب حر مستقل قوي بمؤسسات دولته الوطنية، وعزيز برسوخ ثوابته في وجدان كل أبناءه.
ظللت اليوم كله صائما عن الكتابة، أقصى طموحي أن أهتدي لصيغة تدوينة ملائمة، أنضم من خلالها إلى جمع أصدقائي المحتفلين، وأقدم واجب التهنئة بصدق وبلاغة. وأنا على تلك الحالة، مررت بصفحة صديق عزيز، فوجدته قد كتب ونشر نصا قصيرا جدا، يحتفي فيه برأس السنة حسب التقويم السنوي الأمازيغي.
لم يتناول صديقي، في تدوينته، تخليد يوم 11 يناير احتفاء بـ"تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال". و لكن لي اليقين أنه ليس ضد الفكرة، رغم ملاحظات بناءة أعتقد أنها تعتمل في خاطره. أو ربما طغى في وجدانه ذلك الانتماء الأعمق تاريخيا، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنه هو الأقوى حمولة ورمزية. المهم، ذلك نقاش آخر له مقامه، ولنا فيه أساتذة أجلاء، بعضهم قضى نحبه وبعضهم لا زال ينتظر و ما بدلوا تبديلا. ولأنه لا يحلو لهم الإكثار من "الخرجات الإعلامية"، تفاعلا مع كل شيء ظهر واستجد، أفضل منزلة الإنصات إليهم، في هذا الباب، واقتفاء أثر الحكمة الرصينة من إبداعهم، أكثر من زخم الكلام بين أيديهم.
المهم، أن النص الذي كتبه صديقي أثارني. لم أستطع تبنيه بالمطلق، وإن استحسنته جدا، لأنني لم أجد به أثر كلمات ضرورية، في اعتقادي، لكي يستقيم بها المعنى الشامل الدال على مقومات الهوية الوطنية للأمة المغربية، في ارتباط بالأركان الثلاثة التي أشرت إليها أعلاه. و اعتبار لذلك، أعدت كتابة النص القصير، وأضفت إليه بعض ما أحمله في قلبي عشقا لهذا الوطن، الذي لا أراه جميلا بدون ما ترمز إليه تلك المعاني. أرسلت النص الجديد إلى صديقي، فما كان منه إلا أن أخذه، و أزال كلمة واحدة منه، ليس رفضا لها ولكن ليحافظ على ما يجده من راحة في "الامتدادات الإنسانية" لأفكاره، بينما يعاتبني، بمودة ثابثة، على "شوفينيتي" التي تدفعني إلى أن أتمسك بكل كلمة أراها في صلب الهوية المغربية، التي أظنها أشمل وأوسع من أن يستوعبها غيرها الثقافي والحضاري، بل هي تأخذ الجيد وتجدد ذاتها. هي كذلك تامغرابيت… أرحب وأعرق. ذلك رأيي ويقيني، ألزم به نفسي.
بعد أن قرأت النص وأعدت قراءته، لأتأكد من أن المعنى مكتمل، وأن صياغة التهنئة ترقى إلى سمو معاني ودلالات الاحتفالين معا، اخترت أن أتقاسمها معكم لأقول :
"بعمق محبتي لكل مغربية ومغربي… لكم مني كل المنى والأمل… أسكاس أمباركي… سنة سعيدة خيرا وعطاء… ولو أن يقيني أن السنة ستكون أسعد إذا استطعنا أن نحقق كامل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية المستحقة لأصحابها… و إذا اجتهدنا لكي تعترف الذات الجماعية الوطنية بكل روافدها الثقافية والتاريخية، و أن نتمثلها جميعا في السلوك والممارسة، ليتصالح الوجدان المجتمعي مع نفسه… وإذا استطعنا الاستثمار في ثقافتتا الوطنية، تعليما وتكوينا وإبداعا وإعلاما، لكي تعبر الألسن بلغتينا الرسميتين الوطنيتين، بأنفة واعتزاز ودونما حرج أو توجس تخفيه الصدور والابتسامات الخجولة… وسنكون أسعد يوم يقبل كل منا، حق الآخر في أن يكون مختلفا عنه، و يقبل تميزه وحريته في ألا يتفق مع رأيه…. و سنكون أسعد يوم نستطيع التعامل مع اختلافاتنا، "النسبية" في الزمن، والمرتكزة على وجهات نظر ذاتية، وتدبيرها بحكمة وبنفس وطني صادق…. وسنكون أسعد في هوية وطنية قوية وجامعة ومتنوعة، تشكل فيها الحرية والعدالة والديمقراطية والنزاهة، قيما تنير طريقنا نحو التنمية الشاملة لكل أبناء الوطن، عوض أن يكون اختلافنا مبعث حواجز تعيق ازدهارنا وتنمية وطننا!"
وفي أفق كل ذلك، نستمر في الاحتفاء بالأرض وبالإنسان المغربي، منفتحين على العالم، بيقظة وعزم وثقة وأمل، متيقنين أن الخير في المغرب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن كل أبناءه في القلب، و أن الأمل يظل معقودا على أن يصير كل شباب المغرب في صلب السياسات العمومية وتدبير الشأن العام.
(*) فاعل سياسي