“كورونا” في المغرب…من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة الشدائد والمحن
الدار/ خاص
في إطار مواكبة موقع “الدار” لمستجدات تفشي فيروس “كورونا” المستجد” كوفييد19″، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع، يوصل موقع “الدار”، عبر صفحة “دين وحياة” نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد. وفيما يلي مقال للأستاذة خديجة أبوري، باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد؛
فإن من حكمة الله تعالى أن جعل الدنيا دار تكليف وامتحان وبلاء، وليس دار راحة وطمأنينة، وجعل الآخرة دار جزاء وقرار، قال الله تعالى: ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾ ([1])، وقال: ﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا﴾([2])،وهذا الابتلاء لا ينجو منه أحد من خلقه، حتى من اصطفاهم الله من عباده وهم الأنبياء، وأكثرهم بلاءً نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، الذي مر في حياته بشدائد وكربات، ومحن وأزمات كثيرة لا يعلم شدتها إلا الله تعالى، شدائد فردية أصابته صلى الله عليه وسلم في أهله، بل وفي جسده الشريف؛ فذاق مرارة اليتم بفقد والديه، ثم جده، وذاق مرارة فقد أولاده، وزوجه خديجة وعمه..، كما مرض مرارا ، وشدائد جماعية أصابته وأصحابه المؤمنين؛ فحوصر وعشيرته وأصحابه في شعب أبي طالب ثلاث سنوات لا يأكلون إلا أوراق الشجر؛ وأخرجوا من بلدهم مكة إلى المدينة، وذاقوا مرارة الهزيمة في أحد، كما خندق على نفسه وأصحابه وعلى المدينة عندما علم أن قريشا جمعت لهم من العرب لمحاربتهم وغير ذلك من الشدائد والمحن التي تعرض لها الرسول الكريم في حياته.
ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أخصه بمقال أتحدث فيه عن مواقف النبي صلى الله عليه في مواجهته لهذه المحن فأقول وبالله اعتمادي:
إن الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم و المتأمل في تاريخ دعوته، يجد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه في مواجهة الشدائد والمحن وسأذكر ثلاثة منها وهي:
1-الصبر والثبات والرضا والأمر بذلك: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مع الشدائد والمحن الواقعة عليه، يشعر بما يعانيه أصحابه من الأذى، ويتألم له، لكنه صلى الله عليه وسلم ـكان يربي فيهم ومن يأتي بعدهم على أن المحن والشدائد من سنن الله تعالى في الكون، وأنه قبل النصر لابد من المحن والصبر، فالرسل وأتباعهم يُبْتلون، ثم تكون لهم العاقبة مصداقا لقوله تعالى: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين﴾([3])، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر”([4])، وكان يحثهم على الثبات كما جاء في حديث خباب رضي الله عنه قال: “شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقال عليه السلام: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد، من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه”([5]) فطوبى لمن ابتلي و ثبت وصبر.
2-حسن الظن بالله والتوكل عليه: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه في كل أحواله، ومن نماذج ذلك: هجرته صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر حينما كانا في الغار، فقال له أبو بكر: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين، الله ثالثهما”([6]) .
وما وقع يوم غزوة الأحزاب، حين تحزّبت قريش وبعض القبائل العربية واليهود والمنافقين على حرب المسلمين في المدينة المنورة، يومها كان حسن الظن بالله وثقتهم بوعد الله سبباً مهماً في نصر المسلمين من حيث لم يحتسبوا، كما قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) ([7])وغيرها من النماذج التي تعين المسلم على الثقة برحمة الله تعالى ونصره.
ولا يعني حسن الظن بالله؛ التواكل وعدم العمل والعبادة، ومن اعتقد ذلك فقد أساء لنفسه وأساء الظن بالله سبحانه، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: ” وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند” ([8])
3-التطمين والوعد بنصر الله تعالى: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس أصحابه الثقة والتفاؤل، ويفيض عليهم مما أفاض الله عليه من أمل في انتصار الإسلام وانتشاره، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بن الأرت عندما جاءه يشكو له الشدة التي أصابته وأصابت أصحابه المسلمين في مكة : “والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت – في ذلك الطريق الخطر المخوف- لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”([9])، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر”([10])
هذا ما تيسر لي ذكره في هذا الموضوع ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل بقبول حسن، وأن يجزي كاتبه، ومصححه، وناشره، وقارئه.
والحمد لله رب العالمين