جهة مراكش آسفي .. الفلاحة قطاع “تفاعلي” و”مرن” إلى حد كبير
منذ اندلاع الأزمة الوبائية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أظهر القطاع الفلاحي بجهة مراكش آسفي “تفاعلية” و”مرونة” كبيرة، نظرا للأهمية التي يكتسيها ضمان التموين العادي والمستمر للأسواق بالمنتوجات الفلاحية، مع صون استقرار الأسعار لتفادي أي زيادة أو احتكار.
ويتعلق الأمر برهان كبير يقتضي إيجاد توازن بين ضرورة مواجهة “السنوات العجاف” في مجال التساقطات المطرية، وأيضا التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن (كوفيد-19)، وضرورة تمكين هذا القطاع من مواصلة الاضطلاع بدوره في النسيج الاقتصادي الجهوي.
ولمواجهة هذه المعضلة الكبيرة، تعبأت مختلف المصالح اللاممركزة لقطاع الفلاحة، وفق مقاربة براغماتية واستباقية، لكي لا يتضرر القطاع الفلاحي بكافة فروعه، بشكل كبير، جراء التقلبات المناخية وأثر جائحة (كوفيد-19).
وبالمناسبة، أكد المدير الجهوي للفلاحة بمراكش آسفي، عبد العزيز بوسرارف، أن حزمة من التدابير وضعت بشكل مستعجل وعلى كافة الأصعدة، قصد ضمان تموين كاف ومتواصل للأسواق بالمنتوجات الفلاحية ومشتقاتها، مع السهر على صون استقرار الأسعار عبر تنظيم العرض وفقا لتدابير صحية صارمة على مستوى الوحدات الإنتاجية والتثمين الفلاحي.
وأبرز بوسرارف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن النشاط الفلاحي تواصل خلال فترة الحجر الصحي ابتداء من الاستغلاليات الفلاحية إلى حدود قطاع الصناعة الفلاحية، مسجلا أن جهودا استثنائية بذلت من قبل الفلاحين والمهنيين بالقطاع، الأمر الذي نتج عنه وفرة في العرض واستقرار في الأسعار، رغم تزامن الظرفية الوبائية مع نقص التساقطات المطرية التي عرفتها الجهة خلال الموسم الفلاحي الجاري.
ومن أجل الوقاية وتقليص حالات العدوى، وتبعا للدورية التي أصدرتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، سهرت المديرية الجهوية للفلاحة مراكش آسفي على التطبيق الصارم للتدابير الصحية الموضوعة للوقاية ومكافحة الجائحة، لاسيما بفضاءات العمل (إدارات وشبابيك وحيدة على الصعيد الجهوي والإقليمي مخصصة للدعم الفلاحي).
وتتجلى هذه التدابير الوقائية في احترام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية واحترام القواعد الصحية واعتماد العمل الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني وغيرها من التدابير.
من جانب آخر، تعبأت المصالح الجهوية والإقليمية للقطاع لتحسيس الفلاحين والمهنيين حول التدابير الموصى بها في هذا الشأن من خلال توزيع دلائل خاصة بالظرفية (دليل كوفيد-19 خاص بالفلاح، ودليل خاص بوحدات التثمين).
وفي نفس السياق، تم إحداث لجن تتألف من كافة المصالح اللاممركزة لقطاع الفلاحة، وكذا الغرفة الجهوية الفلاحية، على الصعيد الجهوي والإقليمي من أجل السهر على التطبيق الأمثل لهاته التدابير.
وحسب المسؤول الجهوي، فإن القطاع الفلاحي تضرر خصوصا من الظرفية المناخية التي أثرت بشكل كبير على الزراعات البورية وتربية المواشي، موضحا أن المناطق المسقية تضررت أيضا، نتيجة نقص المياه على مستوى السدود.
وعلى الرغم من ذلك، يقول بوسرارف، فإن إنجازات مخطط المغرب الأخضر في مجال الري بالتنقيط (105 آلاف هكتار متم 2019) وتوسيع مساحات زراعة الأشجار المثمرة (زراعة 80 ألف هكتار جديدة بين 2008 و2019) والخضروات، كان لها أثر كبير في الرفع من مرونة القطاع سواء على الصعيد الجهوي أو الوطني.
وقدم بوسرارف بعض الأرقام الدالة، حيث ورغم الظرفية الصعبة نوعا ما، ساهمت جهة مراكش آسفي في الإنتاج الوطني من الخضروات بـ530 ألف طن على مساحة تقدر بحوالي 19 ألف هكتار، موضحا أنه من أجل تشجيع الفلاحين على بيع منتجاتهم في السوق، قررت السلطات المختصة، بصفة استثنائية، بترخيص تسويقها مباشرة لدى المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة.
ومن أجل مواجهة نقص التساقطات المطرية والتخفيف من حدتها على الموسم الفلاحي الحالي، وضع قطاع الفلاحة برنامجا هاما يخص القطيع، حيث “استفاد مربو الماشية بالجهة، في إطار هذا البرنامج، من حصة هامة من الشعير (200 درهم للقنطار) موزعة على عدد من المراحل”.
وأفاد في هذا الصدد، بأنه تم تخصيص 660 ألف قنطار خاصة بالفترة ما بين أبريل ويونيو، وحصة أخرى تقدر بـ700 ألف قنطار مرتقبة بين يوليوز وشتنبر المقبل، إلى جانب حصة خاصة بالعلف المركب وبرنامج نقط توريد الماشية.
وارتباطا بالسياق الخاص الناجم عن الأزمة الصحية ونقص التساقطات المطرية، تم ابتداء من منتصف أبريل الماضي، إطلاق عملية تعويض الفلاحين ضحايا الجفاف من قبل التعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين “مامدا” (تعويض 32 ألفا و147 فلاحا يتوزعون على 140 جماعة قروية بالجهة بمساحة مؤمنة تقدر بـ412 ألف هكتار)، وذلك قبل الأجل المحدد لذلك بفارق شهرين.
وذكر بوسرارف بأن القطاع الفلاحي تضرر في بعض المستويات نتيجة لظرفية الحجر الصحي ونتيجة للصعوبات المترتبة عن إغلاق الأسواق الأسبوعية، لاسيما في مجال تسويق الماشية التي تشكل مصدرا هاما لأرباح الفلاحين.
وأشار إلى أن بعض الاستغلاليات الفلاحية عرفت أيضا بعض الصعوبات المتصلة بنقل العمال (تكاليف إضافية مرتبطة بالتدابير الصحية)، مسجلا أن جهودا استثنائية بذلت من طرف المهنيين في هذا الإطار، ما مكن من إنجاز نسبة هامة من برنامج الزراعات الربيعية.
وردا على سؤال حول آفاق القطاع الفلاحي على الصعيد الجهوي، أوضح بوسرارف أن المديرية الجهوية للفلاحة بمراكش آسفي، تعكف حاليا، على التنزيل الجهوي لاستراتيجيتها الفلاحية الجديدة (الجيل الأخضر) التي استعرض مضامينها وزير الفلاحية والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بين يدي صاحب الجلالة الملك محمد السادس في فبراير الماضي بأكادير.
وتابع أن هذه الإستراتيجية الجديدة ترتكز على ترصيد المكتسبات التي حققها مخطط المغرب الأخضر، من خلال العناية بالعنصر البشري، واستدامة التنمية الفلاحية، مسجلا أن هذه الخطة “الطموحة” تسعى إلى انبثاق جيل جديد من الطبقة الوسطى الفلاحية وإفراز جيل جديد من المقاولين الشباب.
وأبرز أن أن هذه الاستراتيجية تروم إطلاق جيل جديد من التنظيمات الفلاحية المبتكرة عبر مضاعفة معدل تنظيم الفلاحين خمس مرات وتعزيز دور التنظيمات البيمهنية، وذلك من خلال الترويج لنماذج جديدة من التعاونيات الفلاحية وتعزيز استقلالية ودور التنظيمات البيمهنية في هيكلة سلاسل الإنتاج.
وخلص إلى أنه في إطار هذه الاستراتيجية، سيتم إيلاء أهمية خاصة لتحديث آليات مواكبة المستغلين الفلاحيين عبر إصلاح المجلس الفلاحي وتطوير المصالح الفلاحية الرقمية التي أضحت أولوية نتيجة للصعوبات التي ظهرت إبان جائحة فيروس “كورونا”.
المصدر: الدار ـ و م ع