المواطنسلايدر

لقاح ضد الحيرة..!

الدار/ رضا النهري:

أسوأ ما في فيروس “كورونا” هو أن قدرته على إصابة الناس بالحيرة أكبر بكثير من إصابة الناس بالموت. فحتى اليوم، لا يمكن مقارنة عدد الأموات بما جرى سنوات الأنفلونزا الإسبانية، أو الطاعون الإسباني، في عشرينيات القرن الماضي.

وعندما سيختفي هذا الفيروس أو تخف وطأته، بعد شهور أو سنوات، فإن التفسيرات ستتكاثر، وسيتكاثر الخبراء أيضا الذين يتحدثون في كل شيء، لكي يفسروا، بعد الجهد، الماء بالماء، ويتعبوننا معهم في تفسير فيروس أتعبنا معه أكثر من اللازم.

فيروس كورونا مارس القتل فعلا، لكن هذا القتل كان أبشع بكثير في المجال الاقتصادي، حين ضحى العالم باقتصاداته وموارده وقوت عيش الناس، وفي النهاية فرغت جيوب الناس ولم تفرغ جعبة الفيروس في التلاعب بعالم ثبتت هشاشته إلى درجة لم تكن متوقعة.

ربما أدرك العالم، بشكل متأخر، أن الفيروس كان يستهدف لقمة عيش البشرية أكثر مما يستهدف أرواحها، لذلك عاد الناس إلى أعمالهم وتدبر الحصول على لقمة عيشهم رغم كل المخاطر، ففي النهاية فإن الموت جوعا أسوأ بكثير من الموت اختناقا.

قريبا ستمر سنة على أول ظهور للفيروس، حين ستكتمل شهور هذا العام، لكن الحيرة لا تزال مستمرة حول أسباب ظهوره وأسرار قوته، ففي النهاية فإن الفيروس جاء ليبقى طويلا بين الناس، ليس فقط ليقتلهم، بل أيضا لكي يذكرهم بأن وجودهم على ظهر هذا الكوكب ليست مسألة مضمونة فيما تبقى من سنوات أو قرون، وأن حديث المؤرخين عن ملايين السنوات الماضية من حياة البشرية لا تعني أنه بقي نفس العدد من السنوات مستقبلا.

قد يكتشف العالم لقاحا ضد الفيروس، مثلما يروج حاليا، وقد يراوغ الفيروس أي لقاح مستجد لتستمر اللعبة أطول من اللازم، لكن ما يبدو ملحا هو أن تكتشف البشرية لقاحا ضد الحيرة، حيرتها إزاء فيروس راوغ الكون كله وأصاب العالم بالشلل وأعاد البشرية إلى قلقها الوجودي الأول.. أكون أو لا أكون.

زر الذهاب إلى الأعلى