بقلم : يونس التايب
لنستعد نفسيا بشكل جيد من الآن: أرقام وفيات كورونا ستستمر مرتفعة وقد تزيد خلال الأيام القليلة القادمة. أمس الجمعة، أعلن عن 42 حالة وفاة جديدة كحصيلة عن الأربع والعشرين ساعة السابقة، ليصل مجموع الوفيات منذ بداية الجائحة إلى 817 شخص، رحمهم الله جميعا.
المعادلة واضحة، وقد سبق أن بينها خبراء عالميون بالقول أن فيروس كورونا يتحرك بميزان رياضيات تصاعدي عند تنقله بين الناس، بمعنى أن كل شخص مصاب يمكن أن يعدي خمسة إلى عشرة أشخاص في اليوم إذا تحرك كثيرا واختلط بالناس. وهكذا تتشكل بؤرة كبيرة في صمت، وفي المحصلة يموت من 2 إلى 5 في المائة من المصابين بالضرورة.
بدون شك، أرقام أمس و الأيام الأخيرة، هي نتيجة طبيعية لحالة التراخي الكبير التي سقط فيها الناس مباشرة بعد مرحلة الحجر الصحي و خلال أيام العيد. وهي كذلك نتيجة منطقية لارتباك أداء منظومة الصحة العمومية أمام ارتفاع عدد المصابين وتراجع القدرة على استيعابهم وتطبيبهم بنفس مستوى الخدمة الذي كان في الأسابيع الأولى. وقد تم التحذير من هذا الأمر عدة مرات، بالقول أن قدرة المنظومة الصحية على تدبير المستعجلات المرتبطة بكورونا وكثرة المصابين الوافدين، محدودة و ليست لامتناهية.
لذلك، علينا أن نترقب خلال 10 أيام القادمة، حالات وفيات في نفس حدود حصيلة يوم أمس، بل ربما قد تصل إلى 60 أو 80 حالة وفاة بين يوم و يوم، و ربما نتفاجئ يوما، لا قدر الله، بتجاوز حاجز المائة وفاة. إذا حصل هذا الأمر المحتمل، علينا أن نصبر على وقع الصدمة، ونحتسب الموتى شهداء عند ربهم، ونزيد من رفع يقظتنا وتعبئتنا لتخفيف البأس في المستقبل.
ولكن، هذا السيناريو السلبي يمكن أن لا يستمر أكثر من أسبوعين من الآن، و تعود الأمور للاستقرار تدريجيا في مستويات وفيات أقل، إذا افترضنا حدوث السيناريو الإيجابي التالي : مؤشر انتقال العدوى يتراجع ابتداء من اليوم، لأن المواطنين استشعروا فعلا الخطر الكبير الذي يتهدد حياتهم بعد أرقام الأيام الأخيرة، وقرروا أن يعودوا إلى الاحترام المطلق لإجراء وضع الكمامة، والتباعد الجسدي، والابتعاد عن التجمعات في الأسواق والمقاهي، والتزام المنازل بشكل أكبر، و تجنب التنقل بين المدن.
أما إذا تبين أن هذا السيناريو الإيجابي متفائل أكثر من اللازم، و لم يتحقق منه شيء على الأرض، فسيكون من اللازم أن يتم اتخاذ ترتيبات صارمة لفرض الالتزام بالإجراءات الوقائية، ودفع كل شخص لحماية نفسه وذويه. بل ربما نصل، كما نبه إلى ذلك الخطاب الملكي السامي ليوم 20 غشت، إلى مرحلة فرض حجر صحي جديد، شامل لكل التراب الوطني أو جزئي في بعض المناطق المتضررة.
ورغم أن للحجر نتائج اقتصادية واجتماعية ونفسية قاسية لا قبل لنا بها، لكن للأسف قد يكون ضروريا اللجوء إليه من جديد، كآخر حصون الدفاع عن صحة المجتمع ضد المستهترين، ما دامنا نعيش حالة شلل تواصلي شبه تام تجعل عددا من الناس لا يتفاعلون مع مجهود التوعية.
وبغض النظر عن تحليل أسباب التراخي و المسؤوليات المشتركة في الارتباك الذي تم تسجيله، يتعين الآن التوجه نحو المستقبل بتركيز أكبر و تصحيح الاختلالات، وتجنب ارتكاب مزيد من الأخطاء، واختيار الطريق الذي نريد السير فيه : طريق المواطنة الفاعلة والمسؤولة والمنضبطة لإجراءات الوقاية؛ أو طريق الاستهتار وتأدية فاتورة غالية عبر مزيد من إنهاك الإقتصاد و تضخم الأثر الإجتماعي للأزمة و زيادة التهميش والفقر.
ولا شك سيكون من العبث واللامسؤولية المطلقة في حق الوطن وأبناءه، الاستمرار في نفق مظلم يمكننا الخروج منه بسهولة فقط بقليل من الانضباط والروح الوطنية.