هل تتجه وزارة التربية الوطنية نحو “فياسكو” جديد؟
الدار / افتتاحية
هناك شبه إجماع بين مختلف منظمات المجتمع المدني وجمعيات أولياء التلاميذ والأسر وكذا بين عموم المواطنين على أن الدخول المدرسي ينبغي أن يتأجل لبضعة أسابيع على الأقل حتى تتضح الرؤية بخصوص الوضعية الوبائية بعد شهري شتنبر وأكتوبر اللذان يعرفان انتشارا واسعا للأنفلونزا الموسمية. لكن وزارة التربية الوطنية تبدو مصرة على تفعيل إجراء الدخول المدرسي كما هو مقرر في 7 شتنبر بعد أن وضعت لأجل ذلك مجموعة من الإجراءات والبروتوكولات التنظيمية. وينسجم اختيار الوزارة في التشبث بالدخول المدرسي في موعده مع اختيار المدارس الخصوصية، بينما يعبر العاملون في قطاع التعليم العمومي عن قلقهم بشأن هذا الإجراء في ظل غياب إمكانيات تنفيذ البروتوكولات المنصوص عليها.
وبينما عرف القطاع الخصوصي هجرة كبيرة للتلاميذ نحو التعليم بسبب تداعيات الأزمة الصحية، تعرف بداية الموسم ارتباكا محلوظا في مختلف المؤسسات، رغم أن هناك حملات تواصلية واسعة تحاول طمأنة الشارع واستقطاب الأسر لتسجيل أبنائهم. كل هذه التطورات تبدو عادية إلى حد بعيد، لكن الذي تتوجس منه الأسر هو أن ينقلب عرس الدخول المدرسي إلى عملية نصب واحتيال واسعة، أو “فياسكو” كبير، يتم فيه تسجيل التلاميذ وتحصيل رسوم ومستحقات المؤسسات الخصوصية، ليتم بعدها مباشرة توقيف الدراسة والاكتفاء مجددا بالتعليم عن بعد. فالمعطيات الواردة من بعض التجارب في بلدان أخرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية أظهرت أن نسب الإصابة بفيروس كورونا سجلت ارتفاعا ملحوظا مباشرة بعد عودة التلاميذ إلى الفصول، مما دفع إلى اتخاذ إجراءات احترازية جديدة وتوقيف التعليم الحضوري.
فهل تعي وزارة التربية الوطنية خطورة القرار الذي اتخذته أم أنها ستعفي نفسها من المسؤولية بعد أن خيرت الأسر ووضعتهم على المحك؟ من المؤكد أن جل الأسر ترغب في عودة التعليم الحضوري بسبب إدراكها للحصيلة الصفرية للتعليم عن بعد، وصعوبة تفعيله، بل وعبثية ذلك في ظل تضاعف المجهود المادي والتأطيري في الوقت نفسه. فقد وجد جل أولياء الأمور أنفسهم إبان فترة الحجر الصحي مطالبين بتدريس أبنائهم بموازاة مع التعليم عن بعد، بسبب ضعف المحتوى وقلة الإمكانيات وعدم تأهيل الأطر التربوية في تكنولوجيات الاتصال الحديثة.
ماذا سيكون جواب الوزارة للأسر التي اختارت التعليم الحضوري عندما سيتقرر فجأة الاكتفاء بالتعليم عن بعد؟ هذا الخيار مطروح ويجب أن تكون للوزارة رؤية وتصور بخصوصه. فهي أصلا تعمل تحت ضغط الاتهامات التي يتم ترويجها بخصوص حرصها على تمرير مرحلة الدخول المدرسي لأغراض اقتصادية صرفة تتعلق بالحفاظ على موارد قطاع التعليم الخصوصي وقطاع اللوازم المدرسية والكتاب المدرسي. إن وزارة التربية الوطنية، وعلى رأسها الوزير سعيد أمزازي، تضع نفسها في قلب مقامرة كبيرة برصيدها ومكتسبات المرحلة السابقة، التي على الرغم من كل تعثراتها، فقد حققت بعض النجاحات من قبيل إجراء امتحانات الباكالوريا والحد من انتشار الفيروس في الأوساط المهنية.
نحن إذا أمام أسبوعين حاسمين بالنسبة لوزارة التربية الوطنية، ويجب أن تكون فيهما مستعدة لتقديم الحساب أمام المواطنين، المرهقين أصلا بتبعات الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية. وإن أسوأ سيناريو يمكن أن تتورط فيه قرارات الوزارة الوصية هو نهاية الأسبوعين وإعلان توقيف التعليم الحضوري والعودة للتعليم عن بعد. في مثل هذه الحالة لن يكون هناك من عنوان يلخص الأزمة سوى عنوان “الفشل”، فمن جهة تتأكد فرضية التآمر مع القطاع الخصوصي، ومن جهة أخرى سيحرم مئات الآلاف من أبناء التعليم العمومي من حقهم في التمدرس بسبب ضعف وقلة الإمكانيات. فهل تعيد الوزارة مراجعة أوراقها قبل الحسم في موضوع الدخول المدرسي؟