أخبار الدار

تحليل إخباري: البيجيدي والأحرار.. من صراع النفوذ إلى صراع الوجود

الدار: تحليل/ رشيد عفيف

الصراع الانتخابي بين الأحرار والبيجيدي ينطلق مبكرا. لم يكد ينتهي حتى بدأ من جديد. العلاقة بين الحزبين الحليفين داخل الحكومة تدخل "بلوكاجا غير معلن" مرة أخرى. القضايا الخلافية تتزايد يوما بعد يوم، والتراشق الكلامي بين قيادات الحزبين أصبح رياضتهما المفضلة. الانتقادات المتبادلة بخصوص المسؤوليات والحقائب الوزارية التي يتحملها كل حزب على حدة تذكي نيران هذا السجال. ويبدو أن الحزبين عالقان بين تركة موقعة "البلوكاج" وتوجسات محطة انتخابات 2021.

من الواضح أن حزب العدالة والتنمية لم يتجاوز بعد مرارة الهزيمة أمام عزيز أخنوش الأمين العام للتجمع الوطني للأحرار في معركة تشكيل الحكومة. لقد فرض رجل الفلاحة والمال والأعمال واقعا معاكسا لما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات 7 أكتوبر 2016. فرغم التفوق العددي الصارخ للإسلاميين إلا أن مسلسل تشكيل الحكومة انتهى بخروج عبد الإله بنكيران من المسؤولية وإعفائه من التكليف الملكي بعد شهور طويلة عجز فيها عن إيجاد توليفة مرضية للجميع ورفض فيها أيضا الخضوع لكل شروط عزيز أخنوش. هذه المعركة لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين الإخوة الأعداء.

لم تكن العلاقة بين الحزبين في تجربة الحكومة السابقة أكثر ودا. صحيح أنها لم تنشأ من رحم مخاض عسير كالذي أفرز الحكومة الحالية لكنها عرفت بداية الخلاف الذي تحول اليوم إلى عقدة. كانت البذرة الأساس حكاية استحواذ وزير الفلاحة في ميزانية 2016 على صفة الآمر بالصرف في تدبير صندوق التنمية القروية الذي رصدت له ميزانية ضخمة تتجاوز خمسين مليار درهم. لقد كان هذا الورش الاجتماعي والتنموي ورقة جديرة بالصراع بين حيوانين سياسيين يحاولان رسم حدود نفوذهما. وراء هذه الورقة كانت هناك معركة خفية بين أخنوش وبنكيران الذي حظي بالثقة الملكية كأول رئيس حكومة إسلامي ولم يستسغ أن ينافسه وزير بدرجة رئيس في حكومته.

وإذا كان للإسلاميين جروحهم في تاريخ العلاقة مع الأحرار، فإن لهؤلاء أيضا ندوب شخصية وحزبية تطفو ذكرياتها بين الفينة والأخرى على السطح. في العام الماضي كان الحدث الاجتماعي والسياسي بامتياز هو حملة المقاطعة التي استهدفت بعض المنتجات الاستهلاكية وكان من بينها محطات المحروقات التي يملكها عزيز أخنوش. لم يتردد بعض التجمعيين في التصريح بأن الحملة سياسية صرفة تستهدف رئيس الحزب، بل إن بعضهم لم يتردد في اتهام الجيوش الإلكترونية للإسلاميين بالوقوف وراءها. هذا الحدث شكل منعطفا في الصراع بين الحزبين اللذين خرجا على ما يبدو من صراع النفوذ إلى صراع الوجود.

في الأسبوعين الأخيرين تضاعفت نقاط السجال والتراشق بين الحزبين بشكل مثير. الفوترة الإلكترونية واحتجاجات التجار، حصيلة المخطط الأخضر،  مشروعا القانونين التنظيميين المتعلقين بتنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. ويوم السبت الماضي لم يتردد عزيز أخنوش وهو يتحدث أمام المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار في رمي الكرة إلى ملعب رئيسه في الحكومة، سعد الدين العثماني، وتحميله المسؤولية عن صياغة قانون المالية بمقتضياته الحالية التي أثارت غضب وإضرابات التجار.

ويؤكد التجييش الواضح لبرلمانيي الحزبين في سياق هذه الأزمة الجديدة أن المعركة لن تتوقف هنا. لقد بدأت الحملة الانتخابية مبكرا. قبل أسبوع اعتبر لحسن الداودي عضو العدالة والتنمية ووزير الشؤون العامة والحكامة أن من يحلمون بتصدر انتخابات 2021 واهمون، في إشارة إلى الأحرار. وفي لقائه بالمجلس الوطني أعلن عزيز أخنوش وضع سقف 200 ألف منخرط هدفا للحزب في أفق 2020.

ويضع الحزبان نصب أعينهما محطة 2021 كموقعة فاصلة. في مارس من العام الماضي وعلى بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاقتراع المقبل أطلق حزب التجمع الوطني للأحرار برنامجه الانتخابي المعنون "مسار الثقة". في هذه الوثيقة تركيز المثلث الاجتماعي الحساس الذي يشمل التعليم والصحة والتشغيل. لكن الدال في هذا البرنامج أنه تضمن اقتراحات تضرب بعض ما أقرته الحكومة التي يقودها الإسلاميون من إصلاحات وعلى رأسها قانون التعاقد في الوظيفة العمومية.

فوبيا 2021 على ما يبدو تتحكم في المشهد السياسي الذي تختزله اليوم معركة البيجيدي والأحرار. وليس من المستبعد بتاتا أن تشهد الأسابيع والشهور المقبلة اندلاع المزيد من المعارك. وفي غمارها من المتوقع أن نتابع قليلا من السياسة وكثيرا من الضرب تحت الحزام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى