بقلم: يونس التايب
في يومها العالمي، الذي يصادف الثامن عشر من شهر دجنبر، تستحق منا اللغة العربية وقفة إجلال يمتزج فيها الاحترام الشديد لهذا التراث الإنساني الرائع، بكثير من الافتخار لكوننا نحن أهل المغرب، لنا حضوة الانتماء الأصيل للغتين في آن واحد:
– اللغة العربية التي نحن محظوظون لكوننا نقرأها ونستمتع ببلاغتها وبجميل المعاني التي تتيحها.
– اللغة الأمازيغية التي نعتز بانتماءنا الهوياتي الأصيل لها، بعض النظر عن كونها اللغة الأم لجميع المغاربة أم لا، وبغض النظر عن درجة ضبط وإتقان الحديث بها.
بشهادة كثير من العلماء الأكاديميين والمتخصصين، تعتبر اللغة العربية من أكثر اللغات قوة وعمقا، كما أن كلماتها وقواعد صرفها ونحوها وشكلها، تتيح اشتقاقات لا تتيحها كثير من اللغات الأخرى. ويكفي أن نتأمل دليلا على ذلك عدد كلمات اللغة العربية الذي يتجاوز بكثير رصيد الكلمات الموجودة في اللغتين الفرنسية والإنجليزية، مثلا، كما أكدت ذلك دراسة هامة صدرت عن جامعة أوكسفورد البريطانية.
وهنا لا يمكن سوى أن نأسف من أنه لا يتعاطى الجميع مع موضوع اللغة العربية بما يستحقه من عناية وتقدير، بل يخرج علينا أحيانا البعض بأطروحات ضعيفة من الناحية العلمية وتافهة من حيث المعنى والقيمة، تحاول وسم اللغة العربية بأنها “لغة متجاوزة”، و أنها لم تعد صالحة لتكون لغة العصر، بينما الحقيقة هي أن الضعف ليس في اللغة العربية بل في أهلها والشعوب الناطقة بها. وهو ضعف مرتبط بالدول والمجتمعات العربية، وبواقع تخلفها العلمي والتكنولوجي والتنموي، وعجزها عن تدبير صدمة الحداثة، واستيعاب مستجدات العصر، من علوم وتكنولوجيات، وضبط تبييئها ضمن نسيج الهوية الثقافية الخاصة، بالشكل الذي يضمن المزج بين الأصالة والمعاصرة.
ومما يدعو للاستغراب أنه فيما تحضى اللغة العربية باهتمام أكاديمي كبير في كبريات جامعات العالم، باعتبارها تراثا إنسانيا وحضاريا لا يمكن التفريط فيه، و باعتبار أنها اللغة التي نقلت عدة علوم إلى أوروبا العصر الوسيط، نرى كيف عرفت المقررات التعليمية، تقزيما للغة العربية بشكل غيب كنوزا لغوية وأدبية نفيسة، دون أن يكون لذلك بالضرورة أي داعي موضوعي، ودون أن يتم بالمقابل تعويض ذلك برفع نسبة حضور لغات أخرى تحقق فعلا مهارات معرفية للطلبة والتلاميذ.
وليس خفيا أن نتيجة ذلك هي سيادة جهل كبير بمكنونات اللغة والشعر والأدب العربي، وترسخ الضعف اللغوي الذي لا يمكنه إلا أن ينتج مزيدا من التكلس الثقافي، خاصة وأن “الاجتهادات التدبيرية” التي قلصت من الحضور النوعي المتين للغة العربية في المقررات، لم تعوض شبابنا بشعر وأدب عالمي رفيع نافع، ولغات عالمية أخرى كالإنجليزية، مثلا، ولم تدفعهم ليغوصوا في روايات ليون تولستوي، ودوستويفسكي، جابرييل جارسيا ماركيز، و فيكتور هوجو، وشارل ديكنس، وألبير كاموس، وشكسبير و غيرهم كثير و كثير من المبدعين والكتاب العالميين.
ولأن الثقافة جسر عبور لتحقيق التنمية بكل أبعادها، و حيث أنه لا تنمية ثقافية ممكنة بدون تمكن لغوي منسجم مع هوية الأرض والمجتمع، وبدون انفتاح فكري على العالم والإنسانية، علينا أن نستغل كوننا في خضم التفكير في مساراتنا التنموية الوطنية المستقبلية الناجعة، لاتخاذ ما يلزم من مجهودات كي نتدارك الفراغ الثقافي والمعرفي الذي حل بنسبة مهمة من الشباب.
ولعل أفضل البدايات في هذه الطريق، هي التصالح مع اللغة العربية وإعادة اكتشاف دررها الأدبية والبلاغية، و تطوير اللغة الأمازيغية المغربية بموازاة ذلك، باعتبار اللغتين الرسميتين الوطنيتين ببلادنا قاطرتين لتحقيق تنمية ثقافية تعزز الانتماء للهوية الوطنية، وتبني جيلا يحافظ على المجال والتراب.
ومن البدايات، أيضا، مضاعفة الجهود لتقوية تملك أطفالنا وشبابنا، وعموم مواطنينا القادرين على ذلك، من اللغات العالمية، الإنجليزية و الإسبانية والروسية، وحتى الصينية القادمة بقوة في المستقبل.
أما إضاعة الوقت في نقاشات ذات طابع إيديولوجي، تتخذ من اللغة والثقافة مجالا للتدافع المصلحي والفئوي، وعدم الاهتمام بتعليم أبنائنا العلوم والتكنولوجيا واللغات الأجنبية، وتقوية رصيد اللغة العربية لتستوعب المستجدات العلمية التي يجب علينا تبييئها، هو عبث في حق الوطن وفي حق طموح أبناءه الراغبين في رفع تحدي إثبات الذات في زمن العولمة، مع الاستمرار في الاعتزاز بانتمائنا لتمغربيت بكل روافدها، والنجاح في عصرنة وتحديث آليات ومناهج التدبير لتعزيز قدراتنا الجماعية، كأفراد وكمؤسسات، على الدفاع عن مصالحنا الوطنية وثوابتنا، وقضايانا المشروعة، وحقنا في التنمية والازدهار.
#المغرب_فخر_الانتماء
#اعتزاز_مطلق_بهويتنا_الوطنية