2020 من جائحة كورونا إلى ثورة الوحدة الترابية
الدار / افتتاحية
لا يختلف اثنان على أن سنة 2020 تمثل صدمة تاريخية للعالم بأسره بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، وما أفرزته من أزمة صحية واقتصادية خانقة ومزعزعة. لقد خلفت نزيفا بشريا غير مسبوق، وخسرنا بسببها آلافا من الأرواح العزيزة، وأصيب عشرات الآلاف بوعكات صحية شديدة، بينما نجا مئات الآلاف من الوباء القاتل. وإلى جانب هذه الخسائر البشرية التي لا تعوض فقد خسر الاقتصاد العالمي، وبالتبعية الاقتصاد الوطني الكثير من النقاط في النمو والاستثمارات والإنتاج والاستهلاك والادخار وخلق الثروة. وتدل الأرقام التي تم تسجيلها في مستويات البطالة والفقر وتراجع المداخيل والموارد على أن بلادنا مرت بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها.
فقد المغرب خلال 2020 على سبيل المثال ملايين السياح الأجانب الذين كانوا يتدفقون على فنادق البلاد ويثرون الخزينة بموارد كبيرة من العملة الصعبة، ويخلقون فرصا هائلة من النمو والشغل، في هذا القطاع الذي يشغل الملايين من المغاربة. وقد أدى توقف القطاع السياحي تماما إلى تداعيات اقتصادية أكثر عمقا على مستوى استهلاك الأسر، وهو الأمر الذي زاد من تجسيد الأزمة على أرض الواقع. لكن من رحم هذه الصورة القاتمة ولدت في نهاية 2020 بشائر دالة ومؤثرة وغير مسبوقة. فبالإضافة إلى الموسم الشتوي المطير الذي أنقذ موسما فلاحيا كان يتجه نحو الكارثة، تنبئ التطورات الإيجابية الكبيرة التي شهدها ملف الصحراء المغربية بأن هذه السنة التي بدأت على إيقاع الكارثة تنتهي اليوم على إيقاع الانتصارات والمنجزات المهمة التي سيكون لها الأثر البالغ على مستقبل الوحدة الترابية.
إن هذه التطورات التي كان من أهمها انتزاع اعتراف أمريكي رئاسي بمغربية الصحراء، يمكن أن تغطي دون مبالغة على كل الآلام والإكراهات التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد. لقد انتظر المغاربة لعقود طويلة حتى ينتقل القرار الدبلوماسي المغربي نحو النهج الهجومي والاستباقي، لمواجهة المؤامرات والدسائس التي تخطط لها الجزائر وأزلامها ليل نهار. في الحقيقة إن سنة 2020 هي أسوأ سنة يواجهها النظام الجزائري منذ سقوط بوتفليقة، اجتمعت فيها جائحة فيروس كورونا وجائحة القنصليات المدشنة في الأقاليم الجنوبية والاعتراف الأمريكي. ولن نبالغ إذا قلنا إن النظام الجزائري تلقى جائحة كورونا باعتبارها مصيبة، لكنه تلقى تطورات قضيتنا الوطنية ككارثة حقيقية سقطت على رؤوس الجنرالات.
2020 عام أُغيثت فيه قضيتنا الوطنية العادلة بعد أن تضافرت جهود الأشقاء والأصدقاء وعلى رأسهم قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة التي فتحت بتدشينها قنصلية لها في العيون الباب على مصراعيه أمام سيل من القنصليات العربية والدولية التي سيأتي بعضها في الأيام المقبلة. ويحق لنا في هذا الإطار أن نؤكد على ضرورة نسب الفضل لأهله. لقد وضع المغرب على ما يبدو خطة إدارة للأزمة وقرر أن يخرج منها بكل ما يمكن من المكاسب. ومن الواضح أن هذه الخطة التي انطلقت بتشكيل خلية تدبير الجائحة قامت بالأساس على مبدأ إحداث قطيعة وثورة جذرية في تسيير بعض القضايا التي تهم بالأساس العلاقات الخارجية وإعادة ترتيبها بشكل يخدم المصالح الوطنية. ومن هنا نبع قرار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية بما يمثله أيضا من ثورة في علاقات المغرب مع دول العالم.
إذا تأملنا إذاً قائمة القرارات الرئيسية التي تم اتخاذها في المغرب خلال هذه السنة والمنجزات التي تم تحقيقها، فإننا من الممكن أن نفترض أنها خلقت نوعا من التوازن بين المغانم والمغارم. صحيح أننا خسرنا كثيرا على المستوى الاقتصادي والمالي المباشر وعلى المدى القصير، وصحيح أيضا أننا خسرنا أرواحا لا يمكن أن تعوضها أي مكاسب، لكننا بالمقابل تأكدنا من أننا نعيش تحت كنف نظام مستقر ومتجذر، ودولة لها تقاليد وأسس يمكن البناء عليها. كما أننا ربحنا الحسم في رهانات اجتماعية كانت محط جدل في الماضي بعد أن أصبح لمشروع تعميم التغطية الصحية إطار زمني وتنفيذي محدد. لكن أكبر مغانمنا في 2020 هي هذه الثورة الجديدة التي شهدها ملف الوحدة الترابية في اتجاه الحسم النهائي لهذا النزاع المفتعل في المستقبل القريب.