هل تسرع المغرب في التعاقد مع الصينيين لشراء اللقاح؟
الدار / افتتاحية
من الواضح أن أزمة فيروس كورونا كشفت عن ضعف وهشاشة كبيرين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب. هذا الأمر صدرت بشأنه العديد من المعطيات والأرقام التي لا داعي للتذكير بها في هذا المقام. لكن من المفيد أن نستخلص اليوم دروسا جديدة من أزمة اللقاحات التي تأخرت أكثر من المتوقع، وخلقت لدى عموم المغاربة شكوكا كبيرة في إمكانية التوصل بها، وكذا في كل الوعود والبرامج التي تم الإعلان عنها منذ بداية الجائحة. لن نعود إلى موضوع التسرع في الاحتفاء باستمرار بريادة المغرب حتى قبل الإنجاز، ولكن نريد في سياق ما جرى أن نعود إلى مسألة أهم تتعلق بتدبير العلاقات الخارجية واختيار المعسكرات التي يتعين الاصطفاف فيها والتعاقد معها في مثل هذه الظروف.
لقد كان المغرب باستمرار بلدا ميالا إلى حلفائه الغربيين في فرنسا وأوربا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. هذا هو تاريخنا، ولا يزال هذا هو واقعنا. لكن في السنوات الماضية انتبه المغرب إلى ضرورة الانفتاح على القوى الصاعدة في العالم وعلى رأسها الصين وروسيا. هذا ما قرر المغرب تجسيده وهو يوقع اتفاقية التزود بلقاح شركة سينوفارم في بداية جائحة كورونا. كان من المغرب من البلدان السباقة لذلك، وهذا ما جعل الإعلام الفرنسي مثلا يعتبر المغرب من بين البلدان الأولى في العالم التي سيخضع سكانها للتلقيح. انتهت عملية البحث والتحضير، وانطلق التلقيح في فرنسا، ولم يتوصل المغرب بنصيبه من هذا اللقاح من شركائه الصينيين.
واليوم وبعد أن ثبتت ممارسات المضاربة والمزايدة في صفقات اللقاح لفائدة بلدان بعينها، يحس المغاربة بأنهم كانوا ضحية عملية نصب، وأن الصينيين يماطلون ولن يسلموا في النهاية ما عليهم تسليمه. ويصبح هذا الحدث اختبارا حقيقيا لذلك التوجه الدبلوماسي الذكي الذي كان يهدف إلى تنويع الشركاء والانفتاح على قوى غير تقليدية. لكن النتيجة اليوم تُظهر أن هذا الاختيار ليس دائما محقا، خصوصا عندما يكون الشريك هو بكين. ماذا يجني المغرب من علاقاته مع هذا البلد؟ يجب أن نطرح هذا السؤال بشجاعة على الصينيين لنعرف حقيقة ومصير الانفتاخ الدبلوماسي على هذا البلد العملاق. كل ما نجنيه هو تشويق منتجات رخيصة في السوق الوطنية، فحتى استثمارات الشركات الصينيك محدودة جدا وأغلبها ينتهي تحت علامات استفهام كبيرة، مثلما حصل في اتفاقية الاستثمار بمشروع طنجة تك.
وحتى جحافل السياح الصينيين الذين وُعدنا بهم في فترة من الفترات ظلوا مجرد دعايات لاواقع لها. هناك إذاً خلل ما يشوب العلاقات بيننا وبين بكين. لربما هو التاريخ لا يزال يضغط بوطأته عندما كان المغرب محسوبا على المعسكر الغربي وكانت الصين الشيوعية الشعبية تدعم الشريك الاشتراكي في الحزائر. ولربما هو الواقع الذي يعرف تقاربا مغربيا أمريكيا غير مسبوق بشكل لا يروق للحزب الشيوعي هناك. كل هذه الافتراضات لطخات تشوش على رؤية العلاقات المستقبلية بين البلدين. والجواب لا يزال عند أحفاد ماو الذين يستغلون الجائحة أحسن استغلال لترويج منتجاتهم وتحقيق مكاسب تجارية في سوق عالمية تعيش خصاصا كبيرا خصوصا في المواد الطبية.
من حقنا اليوم أن نتساءل ألم يتسرع المغرب في توقيع اتفاقية مع سينوفارم الصينية؟ بعد أن توصلنا بشحنة اللقاحات من شركة أسترازينيكا رغم تأخر الاتفاق معها، سيكون الجواب نعم، لقد كان من الأولى التريث قبل التعامل مع الصينيين خصوصا في ظل أجواء الأزمة، واختيار شركاء آخرين كان من الممكن أم يفوا بالتزاماتهم قبلهم. ولهذا سيكون لما حدث من شركة سينوفارم تجاه المغرب تأثير مباشر على العلاقات بين البلدين، خصوصا إذا تأكد ما يروج حول استغلال الصين لمنتجات اللقاح الخاصة بها في تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية ولو على حساب اتفاقاتها وتعهداتها.