سذاجة اليساريين أمام تمغربيت الراسخة
الدار / افتتاحية
من المتوقع جدا أن يصدر عن نبيلة منيب تصريح ينكر تامغربيت ويدافع عن “المغرب الكبير”. هذا الطرح ليس محاولة لصناعة “البوز” بل هو موقف ينسجم تمام الانسجام مع المرجعية الإيديولوجية والإرث الفكري لأحزاب اليسار. لا يجب أن ننسى أن هذا الفكر يؤمن بالمواطنة العالمية، وكان يحلم بتصدير الثورة وبناء المزرعة الشيوعية المثالية التي تعيش فيها كل طبقات المجتمع في إخاء ومودة وعدالة. فمنيب لم تفعل شيئا سوى استحضار هذا الحلم الذي جعل من اليسار أكبر من يدافع عن فتح الحدود بين بلدان العالم وتشجيع التمازج الإنساني.
وعلى الرغم من نُبل الفكرة التي لا يزال بعض اليساريين يدافعون عنها، إلا أنهم يتجاهلون أنها تنم عن سذاجة سياسية بالغة. نعم، هؤلاء اليساريون، أو بقاياهم على الأقل، يتمتعون بقدر كبير من السذاجة التي جعلتهم خارج دائرة القرار والسلطة منذ سنوات، وأفقدتهم شعبيتهم التي راكموها عبر سنوات طوال من النضال والتضحيات، ودفعتهم إلى هدم كل ذلك الإرث الواسع والمتنوع من الرموز والمحطات والمواقع التفاوضية التي كان من الممكن أن تخدم المسار الديمقراطي لبلادنا بشكل إيجابي وتاريخي. ومنهم فريق آخر، وهو الذي تمثله الرفيقة نبيلة منيب، الذين قضوا عمرا سياسيا طويلا في نقاشات فكرية متعالمة، وصراعات حول التفاصيل والفروع ونسوا أن الدور الذي ينبغي أن تلعبه الأحزاب السياسية أولا وقبل كل شيء هو التقرب من الجمهور، لتأطيره وتوجيهه، وبلورة مطالبه ورغباته.
وعندما تتاح الفرصة التاريخية لهذا اليسار، الذي يصفه البعض بغير الحكومي، كي يتموقع في الخارطة السياسية، ويجني مقاعد ويتقدم في المسابقة الانتخابية، تصدر عن قياداته مثل هذه التصريحات التي تتعارض تماما مع المنطق والواقع، بل وحتى التاريخ. فمشروع المغرب الكبير الذي كان المغرب أول رواده من خلال اتحاد المغرب العربي، لا يمكن أن يتعارض في أي شيء مع الهوية الوطنية الخالصة التي نتواضع عليها بهذا الوصف الأصيل “تمغربيت”. وهو وصف بالمناسبة يجمع بين المكونين الرئيسيين لهويتنا الوطنية. فهو “تمزيغ” للفظ العربي “المغرب”. وهذا يعني أنه جامع مانع لهذا الالتحام والانصهار الذي جسدته العلاقة سكان المغرب من الأمازيغ والعرب، ومثل باستمرار استثناء يميزنا عن إخواننا في المشرق العربي على سبيل المثال، حيث النزاعات الطائفية والقبلية بل والعرقية أحيانا لا تزال تثير صراعات وحروبا لا تنتهي.
هذه هي “تمغربيت” التي يجب أن تستحضرها نبيلة منيب ورفاقها، ليدافعوا عنها ويجعلوها جزء من برنامجهم السياسي والحزبي الوطني. فهي محط إجماع، ولا أرى بين الأحزاب السياسية من يجد مبررا للخروج عليها والدفاع عن أطروحات إيديولوجية متجاوزة أكل عليها الدهر وشرب. لقد سقط جدار برلين منذ عقود، وانهار الاتحاد السوفياتي، وانهار معه حلم بناء الاتحاد الشيوعي العالمي، الذي كان يعمل لأجله مناضلون من الذين سبقوا نبيلة منيب إلى النشاط اليساري. ولذلك فإن إنكار هذه الهوية الوطنية الأصيلة والمسالمة التي أعطت دائما دروسا للآخرين في التعايش والسلام وتفضيل المصلحة الجماعية على الطموحات السياسية الشخصية، يعتبر خدشاً صريحاً لمشاعر المغاربة من جهة، وإجهازاً على ما تبقى من الرصيد الذي يمتلكه الحزب الاشتراكي الموحد الذي تقوده الرفيقة منيب.
لقد دافعت منيب عن مشروع المغرب الكبير وهي ترفض “تمغربيت”، لكنها لم توضح لنا موقفها من أولئك الذين أعاقوا مشروع اتحاد المغرب العربي لسنوات بمؤامراتهم ومكائدهم، ويسعون اليوم إلى تقسيم المغرب وفصل جزء من ترابه عن باقي مكوناته. ولم تسأل نفسها عن الدور الذي لعبته الجزائر في تعطيل هذا المشروع نكاية في المغرب، بل وسعيا إلى ضرب تلك الـ”تمغربيت” التي لا تروقها.