أخبار الدارسلايدر

نواب البيجيدي: التقارب الجسدي حلال علينا حرام عليكم

الدار / افتتاحية

الإنزال الذي قام به نواب حزب العدالة والتنمية اليوم بمجلس النواب بمناسبة مناقشة القوانين الانتخابية يؤكد مجددا أن الحزب لا يزال يمتلك تلك القوة التنظيمية المستندة إلى الطاعة الحزبية العمياء، لكنه من جهة أخرى يظهر تلك المفارقة الصارخة بين خطاب المشرّعين وممارساتهم. ففي الوقت الذي صدّعت فيه الحكومة رؤوس المغاربة بضرورة احترام مقتضيات حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية الوقائية من فيروس كورونا المستجد، لم يجد نواب البيجيدي أي حرج في خرق هذه القواعد اليوم وهم يتكدسون بالعشرات في مقر مجلس النواب، بشكل لا يوفر الشروط اللازمة لتحقيق التباعد الجسدي.

كل الناس يعرفون أن نواب الحزب الإسلامي ملتزمون ومنضبطون لقرارات الحزب، لكن ما لم يكن يعرفه المغاربة أن هؤلاء النواب مستعدون لتقديم الأسوة السيئة في معركة الدفاع عن المكتسبات السياسية، التي يعتبرونها حقا مفروضا، وعلى رأسها مسألة القاسم الانتخابي، الذي لا يزال الحزب يتشبث به. من حقهم التشبث بما يريدون والدفاع عن مكتسباتهم وامتيازاتهم السياسية، مثلهم مثل باقي المكونات الحزبية الأخرى، لكن الذي ليس من حق أحد بتاتا، هو هذا الاستهتار والخرق المستفز للإجراءات الاحترازية، بمنطق “حلال علينا حرام عليكم”. ماذا ترك نواب البيجيدي لعموم المواطنين البسطاء الذين أرهقتهم مقتضيات حالة الطوارئ، وحُرموا لشهور طويلة من ارتياد الكثير من الأماكن بما فيها تلك الحيوية بالنسبة لهم مثل الحمامات الشعبية والمسارح ودور الشباب؟

بل ماذا سيقول هؤلاء النواب لمئات الآلاف من البسطاء الذين فقدوا مورد رزقهم بسبب إغلاق مقرات عملهم احتراما لقواعد التباعد الجسدي؟ للأسف إن هذا السلوك الذي بدر اليوم من نواب حزب العدالة والتنمية يضرب في مقتل كل ما بنته الحكومة ومؤسسات الدولة من تفاعل الطاعة والتجاوب لدى عموم المواطنين على مدى أكثر من عام. لم يكن من السهل أبدا إقناع المغاربة بالالتزام بالحجر الصحي، ثم بحرمان أنفسهم من الكثير من عاداتهم وأنشطتهم اليومية، وتطلب الأمر عناء تواصليا ولوجيستيكيا كبيرا، لكن تقديم هذا النموذج السيء من طرف “الفقيه اللي كنتسناو بركتو” يهدم كل هذه القناعات التي ترسخت لدى المغاربة حول مصداقية الإجراءات المتخذة مهما حدت من الحريات والحقوق.

وهنا مكمن الخطورة في هذا السلوك السياسي الأرعن. إنه سلوك مستعد للتضحية بكل هذه الثقافة المجتمعية التي نحمد الله عليها، من أجل الدفاع عن مكسب سياسي تجمع كل القوى السياسية الأخرى أصلا أنه أصبح متجاوزا وتنبغي مراجعته. لكن ما الفائدة من تحصين امتياز القاسم الانتخابي الذي يدافع عنه العدالة والتنمية بشراسة إذا كان ذلك سيكون على حساب المصداقية والشرعية التي يمثلها الخطاب الرسمي أمام عموم المواطنين؟ لقد أفرزت جائحة فيروس كورونا في بداياتها أروع ما في المغاربة، وأخرجت أنقى ما في نفوسهم من تضامن وصبر ووطنية، لكنها للأسف لم تستطع أن تحقق الغايات ذاتها في نفوس المنتخبين، وخصوصا من الحزب الأغلبي، الذي لا يزال يظهر يوما عن يوم تلك التناقضات الهائلة بين خطابه المعلن وممارساته الواقعية.

فعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية يدعي باستمرار أنه يقدم المصلحة العامة على مصلحة الحزب، ويضحي بالكثير من عناصر مرجعيته وثوابته لأجل الإجماع الوطني، إلا أن ما حدث اليوم أثبت بالملموس أن تلك التضحيات ليست تنازلات تكتيكية واستراتيجية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنال من الغايات الانتخابية الخالصة لهذا الحزب. صحيح أنها الغاية الانتخابية هي لصيقة بكل الأحزاب في الداخل والخارج، لكننا لا نعرف حزبا أنزل كل نوابه في يوم واحد في قاعة كتلك التي تمثلها قبة البرلمان في خرق سافر لكل الإجراءات الاحترازية.

زر الذهاب إلى الأعلى