في عيدهن الأممي.. نساء “كادات” يزاولن مهن الرجال ويعلنن: “المرا والراجل كيف كيف”
الدار/ عفراء علوي محمدي / تصوير: حسام أديب – مروى البوزيدي – زكرياء أغندا / مونتاج: منير الخالفي
كسرن حواجز الطابوهات والأعراف المجتمعية، رفعن التحدي بعزيمتهن وإصرارهن، وأبرزن جدارتهن في تحمل عبء أشد المهن قسوة وصلابة، وهي المهن التي لطالما كانت ولا تزال حكرا على الرجال فقط، استطعن بفضل قوتهن، وإن أنثوية، التغلب على كل الصعاب، والإثبات بالدليل الحي والملموس أن النساء قادرات على القيام بشتى المهام في مختلف المجالات، وعلى قدم المساواة مع الرجل.
كثيرة هي الدراسات في مجال علم الاجتماع التي أثبتت أن الأدوار الاجتماعية الموكولة لكل فرد، حسب جنسه أو الفئة التي ينتمي إليها، لا تربطها في الحقيقة أي صلة مباشرة بالجنس البشري، بل بما تقتضيه التنشئة الاجتماعية والتقاليد والأعراف الثقافية التي تميز كل مجموعة عن الأخرى، عندها تخصص للرجال أدوار، وترتبط أساسا بالمهن التطبيقية والتسييرية، بينما تخصص للنساء أدوار مغايرة، تجعلها أقرب ما تكون للأعمال الاجتماعية، هذا إن لم يقتصر دورها، كما العادة في المجتمعات التي تسير برجل واحدة، في إدارة الشؤون المنزلية وتربية الأبناء.
وعلى الرغم من اختلافهن، ومزاولتهن لأعمال لطالما وصفت بـ"الرجالية"، أبدعن في القيام بها بطريقتهن، واستطعن التفوق والتفنن فيها، ليكسرن جدار التمييز بين جنس الذكر والأنثى، ويخرقن القاعدة المجتمعية التي لا ترحم النساء، وتجعلهن دائما حبيسات منازلهن، بعيدات كل البعد عن تحقيق رغبتهن في إثبات ذواتهن، بالطريقة التي ترضيهن قبل أن ترضي أفواه الناس، وتعزز استقلاليتهن.
بمناسبة الـ8 من مارس، استقى موقع "الدار" آراء نساء عديدات، اخترن مهنا رجالية، ونجحن في القيام بها، وهن مجيدة، سائقة الطاكسي بالدار البيضاء، وسلوى، الجزارة بالمدينة نفسها، ونورة، الميكانيكية بمدينة أزرو، وخديجة، حارسة السيارات بالعاصمة الرباط.
الدارالبيضاء.. مجيدة سائقة "طاكسي": عادي المرا تسوق وتهز البلايص والزبناء كايشجعوني
خاطبها زملاؤها مازحين، بنبرة لا تخلو من مرح ودعابة: "وا سي عبد المجيد !!"، فانبرت ضاحكة تستجيب، وكأن دعوتها بلقب رجالي لا ينتقص من قدرها شيئا، بقدر ما يقويها ويجعلها على قدم المساواة مع جميع زملائها.. أخذت مفاتيح سيارة أجرتها الكبيرة من أحد السائقين القدامى والابتسامة لا تفارق محياها، لتعلن "أعرته سيارتي قبل قليل، لكن يبدو لي أنه لا يريدها الآن، هكذا نحن في محطة سيارات الأجرة بعين الشق بالدار البيضاء، نتبادل العربات إذا اقتضى الأمر ذلك ونساعد بعضنا ونعمل سويا"..
بملامح واثقة، ركنت مجيدة سيارتها في المكان المخصص للركاب، وبدأت تهتف صائحة "كراج علال.. كراج علال".. وما هي إلا دقائق معدودة حتى امتلأت سيارتها عن آخرها، لتنقل الناس إلى الوجهة المعلومة بسرعة، وتعود من جديد دون تأخير يذكر.
مجيدة نشيط، امرأة في عقدها الرابع، متزوجة وأم لطفلين، تحكي عن تجربتها مع "الطاكسي الكبير" قائلة: "منذ 8 سنوات وأنا أسوق سيارة الأجرة، وقد اخترت هذه المهنة عن قناعة شخصية وحب"، مضيفة، بنبرة واثقة "لا تهمني بذلك أقوال الناس وانتقاداتهم لي، أنا أقوم بما أراه مناسبا لي، وأضمن قوت يومي بمهنتي الشريفة، أما بالنسبة للزبناء، فأنا لا أواجه معهم أدنى صعوبة، بل على العكس، هناك منهم من يشجعون، بل هناك كثيرون من يتسابق ليركب سيارة الأجرة تسوقها امرأة"، فضحكت ضحكة مطولة.
وأكدت سائقة "الطاكسي" أن أهلها شجعوها كثيرا لتخوض مضمار هذه التجربة، وأعلنت "أختي اشترت لي هدية فاخرة لتشجيعي وتحفيزي، وزوجي لم يكن يمانع إطلاقا وتمنى لي التوفيق من أعماق قلبه، المشكل الوحيد الذي يعترضني كان على مستوى الزملاء، الذين ينظرون إلي بنظرات لا ترحم لكوني امرأة، ويتعاملون معي بشكل غير لائق لكوني اخترت مهنة للرجال فقط، خصوصا في بداياتي، لكن الآن علاقتي بهم تحسنت كثيرا، خصوصا في نقابة سيارات الأجرة التي يترأسها مصطفى الكيحل، الذي يقدر المرأة ويشجعها مهما كان العمل الذي اختارته".
"النساء قادرات على القيام بأعمال كثيرة مختلفة، وقادرات على إثبات وجودهن والقيام بمهمات صعبة شأنهن بذلك شأن الرجال، فلا وجود لعمل خاص بهذا الجنس أو ذاك"، تقول مجيدة، مشجعة النساء على أن يحذون حذوها وينتصرون لرغباتهن ويحققن ذواتهن بعيدا عن إكراهات المجتمع.
سلوى الجزارة: أفتخر بمهنتي الشريفة التي ورثتنا عن والدي
تحمل سكينا كبيرا في يدها، لتقطع به اللحم قطعا متساوية، فترتبه بتنسيق لتعرضه على الزبناء، في محلها المعروف بساحة محمد بن عبد الله بسوق البلدية في مدينة الدار البيضاء.
سلوى بوزوبع، امرأة جزارة في عقدها الرابع، اختارت مهنة "تاجرارت" التي علمها والدها الذي كان بدوره جزارا، إلا أنه، وبسبب كبر سنه ومرضه، اضطرت لتعويضه حتى لا يتم إغلاق المتجر، المعروف في الساحة، مبرزة أنه من "العار نخليو المحل ديالنا يضيع"، تقول سلوى واثقة في مجهودها المهني.
ورغم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريقها، استطاعت سلوى فرض وجودها في سوق "الجميعة"، وكسب زبنائها الخاصين، تقول، في حديثها لموقع "الدار": أنا أفتخر بمهنتي الشريفة هذه، وعلى الرغم من كوني امرأة استطعت فرض وجودي لأحظى بثقة الزبناء والزملاء، ولله الحمد".
ووجهت سلوى، رسالة للمغربيات، بقولها إن المرأة الآن "يمنكها مزاولة أية مهنة تتقنها، المهم هي الكفاءة والمبادرة والإصرار على نجاج"، على حد قولها.
نورة الميكانيكية: من صغري عزازين عليا الأعمال الرجالية ونموت على المحركات
شابة في ربيعها العشرين، جميلة المحيى، بيضاء البشرة، نحيفة البنية الجسمانية، إلا أنها تعشق محركات العربات بجميع هياكلها الداخلية، درست بشعبة "ميكانيك وكهرباء السيارات" بمعهد التكوين المهني بأزرو، وهي الآن تعمل في محل لإصلاح السيارات بالحي الصناعي بالمدينة نفسها، بهمة عالية وثقة كبيرة.
تقول نورة الهواري، في تصريحها لموقع "الدار"، وهي تدير براغي المحرك الرئيسي لسيارة "سيتروين" أصابها عطل ما "لست أنا التي اخترت هذه المهنة، بل هي التي اختارتني، أنا أجد، منذ صغري، راحة كبيرة في الأشغال الرجالية، أحب اكتشاف ما هو جديد، وما لا تستطيع النساء القيام به، هو كتحد مغر بالنسبة لي، وكنت أنجح في هذا التحدي".
تسترسل نورة في كلامها عن المراحل الأولى التي فكرت فيها اختيار مهنة "الميكانيك"، بابتسامة وديعة ونظرات لامعة، "في الواقع، وجدت صعوبة كبيرة في إقناع والدتي ووالدي بالفكرة، لأنهما كان يرفضان في مستهل الأمر هذه المهنة بشدة، بحكم مجتمعنا الذي لا يرحم، وكلام الناس، ولأني سأشتغل مع الرجال فقط وسأحتك بهم كثيرا، لكني سرعان ما استطعت إقناعهما بأن لي الحق في اختيار المهنة التي أريد، بغض النظر إن كان يزاولها الرجال أو النساء، والآن أصبحوا يشجعانني أكثر من أي شخص آخر.
واعترفت "الميكانيكية" الشابة أن وعيها بالقضية النسائية تطور بعد عملها في مجال رجالي محض "أصبحت أعي جيدا أن المرأة كالرجل تماما، وأن بإمكانها أن تشغل أدوار مختلفة وتنجح فيها"، مبرزة أن عليها تحدي أي عائق يقف في طريقها للوصول إلى مبتغاها، مهما كانت السياقات والظروف.
وأردفت، بنبرة حزينة "مجتمعنا لا يرحم المرأة إطلاقا، هناك عديدون يسخرون مني لأني ميكانيكية، وهناك من يتحرشون بي، ومن ينظرون إلي بنظرة احتقار ودونية، أذكر أن أحدهم، "بلا حيا بلا حشمة"، سأل "المعلم" إن كانت أشتغل عنده بالليل والنهار، مثل هذه الأمور تؤلمني، لكني لا أبالي على كل حال". تسجل نورة.
وتأسفت الميكانيكية الشابة لانشغالها كثيرا بإصلاح أعطاب المركبات، مسجلة: "وددت التحدث إلى موقعكم بشكل مستفيض، وهذا يسعدني كثيرا، إلا أن الوقت يداهمني، ولم يعد يساعفني الآن للقيام بكل المهام التي يجدر علي القيام بها، خصوصا وأني أقطن في مكان بعيد عن هنا بحي سيدي عسو، و"مازالا تابعاني الطريق"، قبل أن تختم بالقول "أنا من هذا المنبر أتمنى لنساء العالم عيدا سعيدا، وأرجو من النساء ألا تترددن في تحقيق أحلامهن وطموحاتهن، ولم لا الاشتغال في المجال الذي تجدن راحتهن فيه، لاكتشاف قوتهن الداخلية، والاستقلال بذواتهن".
خديجة حارسة السيارات: مهنتي تغنيني عن طلب الإعانة.. ولا أعرف ماذا يعني "8 مارس"
امرأة في سنها الـ39، سمراء البشرة، هزيلة البنية، بجلبابها الرمادي الطويل، وسترتها الخضراء، تعمل على تنظيم تركين السيارات بشارع فرنسا بالرباط، وحراستها من باللصوص، إلى حين عودة أصحابها، تقول "هذا العمل أقوم به منذ أن توفي زوجي رحمة الله عليه، وهذه السترة التي أضع في واقع الحال سترته، فمنذ سنة كاملة وأنا أمتهن هذا العمل لأوفر لأبنائي قوت يومهم، وهذا يغني عن طلب الإعانة".
وزادت خديجة، التي كانت منهمكة في مساعدة السائقين على تركين سياراتهم: "على الرغم من العناء اليومي الذي أقوم به، لكن لا خيار آخر لدي، أنا أعمل بجد، وإن كان عملي رجوليا، وأنا من هذا المنبر أوصي النساء بالتشبث بأعمالهن، وتقديم الغالي والنفيس من أجل أسرهن، بغض النظر إن وجد المعيل أو لم يوجد".
خديجة، "الكارديانة"، المعروفة بشارع فرنسا بالرباط، تضطر إلى الوقوف لساعات طويلة بالشارع لانتظار السيارات القادمة، إلا أن الزبناء، وخصوصا منهم الوافدين الجدد بالمنطقة "يظنونني في مستهل الأمر مجرد متسولة، لأنهم لا يستوعبون أن تكون "كارديانة" امرأة، أو لأنهم لم يصادفوا نساء من هذا النوع في حياتهم.
ورغم ذلك، نفت حارسة السيارات تعرضها لمضايقات خلال مزاولتها لمهنتها، "بل على العكس، الكل في هذا الحي يحترمني ويقدرني، ورغم من كوني امرأة، فما العيب في أن أمتهن مهنة شريفة كهذه؟"، تتساءل خديجة، قبل أن تهب مسرعة إلى أحد السائقين الذي نادى عليها، بعد أن قاد سيارته نحو وجهته، ليقدم للسيدة الحارسة أجرتها.
وبشأن العيد الأممي للنساء، تقول خديجة "أنا بصراحة لم أدرس لأستوعب ما تتحدثون عنه بخصوص حقوق المرأة في 8 مارس، ولكني أعي جيدا أن المرأة لها قدرات كبيرة، تستطيع من خلالها القيام بمهام صعبة، كيف ما كانت نوعيتها، فلا وجود بالنسبة لي لمهن رجالية وأخرى نسائية".
الشعباني: ليست هناك وظائف رجالية وأخرى نسائية والمرأة قادرة على امتهان جل المهن
نفى علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، وجود مهن مرتبطة بشكل مباشر بجنس الأفراد، إلا أن المجتمعات والثقافة السائدة والتقاليد والأعراف هي التي تجعل من وظيفة معينة رجالية، وأخرى نسائية، وأكد "منذ القدم، أعطت المجتمعات أدوارا محددة للرجال والنساء، واعتبرت أن هذه الأدوار لصيقة بالجنس، على اعتبار أن هناك أدوار نسائية وأخرى رجالية، كما حددت معايير لذلك، باختيار المهام الصعبة والمتعبة والليلية للرجال، بينما حددت المهام الاجتماعية المتعلقة بتربية الأبناء والاعتناء بالزوج للنساء".
وزاد الشعباني، في تصريحه لموقع "الدار"، قائلا إن هذه التصنيفات "ليست مرتبطة بالجنس بشكل مباشر، إلا أنها تصنيفات تم الاتفاق عليها بشكل جماعي، إلى أن وصلنا إلى حد استطاعت من خلاله المرأة إثبات وجودها، وامتهان وظائف رجالية متعددة، وهذا من حقها، كما أنه أمر طبيعي".
واعتبر الباحث أنه لا يمكننا التمييز بين الرجل والمرأة في عدة مستويات، "خصوصا على مستوى القدرات العقلية والذهنية، فهما معا يشتركان فيها، لذلك فلماذا نرفض بلوغ المرأة مهنا باستطاعتها الإبداع فيها؟ لماذا كل هذا التمييز؟"
"الآن نرى أن المرأة قادرة على قيادة الحافلة والطائرة والعمل في مهنة النجارة والحدادة، بل وحتى في المناجم، وهناك مجموعة من الدراسات في علم الاجتماع التي تؤكد أن المرأة قادرة على التفوق في جل المهام، شأنها بذلك شأن الرجل، ومجتمعنا أصبح يع هذه المسألة، ويتقبل شيء فشيئا نساء تعملن في مجالات كانت حكرا على الرجال فقط"، يقول الشعباني.