بقلم ✍️ نورالدين زاوش *
فجأة، وبدون سابق إنذار، تحول الحديث عن جوهر الأزمة المتمثلة في استضافة إسبانيا لمجرم حرب بهوية مزيفة وبدون إخبار السلطات المغربية بذلك إلى الحديث عن مظاهرها وتبعاتها والنتائج المترتبة عنها، حيث حاول الإعلام الإسباني التركز على ظاهرة تدفق آلاف “المهاجرين” على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، مُحَمِّلة المغرب مسؤولية هذه الهجرة غير المسبوقة.
من الطبيعي أن تبحث الحكومة الإسبانية عن موطئ قدم تحت الشمس خصوصا وأن المعارضة تتهمها صراحة بالطيش والمجازفة الرعناء وسوء التقدير في استضافتها عدو المغرب اللدود وبدون علمه، ومن المفهوم أيضا أن تبحث عن كبش فداء تُلصق به فشلها السياسي الذريع وارتباكها الدبلوماسي الواضح في التعامل مع مواضيع ذات حساسية كبيرة وأهمية قصوى بالنسبة للمغرب؛ لكن البحث عن مخرج للمأزق الذي وضعت إسبانيا نفسها فيه لا يكون بخلق مآزق جديدة؛ إذ ليس من الحصافة أن يُتهم المغرب بتدبير هذا “الغزو البشري”، وليس من الحكمة أن يُلقى اللوم عليه؛ كل ما هنالك أن المغرب حينما شعر أنه لا يتلقى التقدير اللائق عن جهوده الخرافية في استتباب الأمن وضبط الاستقرار في المنطقة وإيقاف مد “جحافل” المهاجرين، وفر جهوده ليوم يعود فيه التقدير والامتنان مناسبين.
لم يكن السيد ناصر بوريطة يمزح حينما قال بأن المغرب ليس دركيا لأحد، خصوصا إذا كان الطرف الآخر لا يتعامل معه بالندية المطلوبة والاحترام اللازم، وهذا، حسب ظني، هو بيت القصيد وجوهر الخلاف؛ فمغرب ما بعد جائحة كورونا ليس مغرب ما قبلها؛ غير أنه، للأسف الشديد، ما زالت إسبانيا تعيش في جلابيب آبائها وأجدادها، وما زالت تحتفظ بصورة المغرب إبان فترة الحماية.
لقد بينت الأحداث الأخيرة بأن المغرب، الذي أربك حسابات الإسبان حتى صارت تستنجد بالاتحاد الأوروبي، رقم صعب في معادلة معقدة، وأن السبيل الوحيد من أجل العيش بجانبه بسلام ورخاء أن تكون هذه الدول مراعية لهذا السلام حقيقة، وأن تتسم بقدر من الشفافية والنزاهة ومبادئ حسن الجوار، وأن تُلقي بنظرة الاستعلاء والاستكبار في سلة المهملات، وحتى في حالة ما إذا ساءت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، لا قدر الله، وقرَّرت إحدى الدول استدعاء سفيرة جلالة الملك فإنها لا تمهلها نصف ساعة؛ لأنه بكل بساطة عمل أرعن وأخرق لا يصدر إلا عمن فقد نصف عقل.
* عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة