أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: حرائق تيزي وزو.. هل دبر العسكر المؤامرة للقضاء على الحراك؟

الدار/ افتتاحية

كل المؤشرات تتجه نحو تأكيد فرضية تورط النظام العسكري في الجزائر في إشعال حرائق تيزي وزو. يقال دائما إذا أردت أن تفك لغز الجريمة فابحث عن المستفيد منها. ولحد الساعة يبدو أن المستفيد الأكبر هو النظام الجزائري الذي يريد أن يحقق أهدافا بعيدة المدى باستغلال ما حدث في منطقة القبائل من حرائق مأساوية، وتوظيف الجريمة البشعة التي أودت بحياة الناشط الجزائري جمال بن…ومن الواضح أن أهم هذه الأهداف التي يسعى النظام الجزائري إلى تحقيقها هو القضاء على القضية القبائلية وإنهاء المطالب الثقافية والجهوية الشرعية لأمازيغ الجزائر. وقد بدا هذا واضحا من خلال تصنيف الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل باعتبارها منظمة إرهابية ينبغي حلها.

ومن خلال تتبع مسار الجريمة التي فجرت غضب الجزائريين يتضح أن هناك حبكة تم نسجها على مدى أيام من أجل الوصول إلى هذه النتيجة السياسية المحضة. إشعال الحرائق ثم التقاعس عن إطفائها وتفاقم الأضرار البشرية والمادية ثم تهاون قوات الأمن في حماية الضحية جمال وتركه عرضة لاعتداء الجماهير الغاضبة، وما سيمثله ذلك المشهد من صدمة لباقي الجزائريين، وخصوصا من المناطق التي تسكنها أغلبية عربية. هذا الشرخ بين العرب والأمازيغ في الجزائر هو رهان خطير قامرت به السلطات الجزائرية من أجل مواجهة الصدمة التي مثلتها دعوة المغرب في الأمم المتحدة إلى تمكين الشعب القبائلي من حقوقه وتقرير مصيره.

الخطة الواضحة للعيان إذن تقوم على حشد غضب شعبي ضد سكان منطقة القبائل ثم ربط القتلة بالحركة من أجل تقرير مصير القبائل لإعطاء الجريمة أبعاد المؤامرة، ويسهل من خلال ذلك توريط قياداتها ومعارضين آخرين، ثم إقحام المغرب بعد ذلك باعتباره المدبر والمخطط لهذه المؤامرة المتخيلة. في هذا السيناريو تظهر ثوابت معروفة في تدبير العسكر الجزائري للأزمات. الثابت الأول هو تصدير الأزمة، أي عزو أسبابها وعوامل تفجرها إلى الخارج، دون تحمل أي مسؤولية سياسية أو أمنية أو قانونية، مثلما هو ظاهر وجلي من تطورات الأحداث. الثابت الثاني هو تصديرها نحو المغرب، أي أن المتهم الأول دائما وأبدا عندما يتعلق الأمر بأزمات كبرى داخلية يبقى هو الجار الغربي والحدود الغربية. والتاريخ هنا يعيد نفسه.

لقد سعى النظام الجزائري إبان العشرية السوداء التي عرفت تفجر الظاهرة الإرهابية أن ينسب الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الجزائري في التسعينيات للمغرب، واتهامه بدعم الحركات الإسلامية المسلحة، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر عندما تبين أن المخابرات الجزائرية كان لها دور كبير في فبركة كل ما حدث خلال تلك الفترة. أما الثابت الثالث فهو تجاهل كل أبعاد الأزمة الحقيقية، أي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والتركيز على الهواجس الأمنية والسياسية. الحرائق التي تم تدبيرها في القبائل كشفت فضيحة حقيقية تتمثل في عدم توفر السلطات الجزائرية على أي إمكانيات وتجهيزات كافية لمواجهتها وعلى رأسها طائرات “كنادير”. هذه المسألة تعتبر في حد ذاتها كارثة بكل المقاييس، لكن العسكر يتجاهلون ذلك ليركزوا على ما يخدم الأهداف السياسية المخطط لها.

ولعل الهدف الأكثر عمقا والأبعد مدى من وراء مؤامرة حرائق تيزي وزو وما تلاها، هو الإنهاء التام والكلي للحراك الجزائري الذي لم يهدأ منذ فبراير 2019، رغم كل الحلول الترقيعية والتضحية ببعض الرؤوس والوعود التي قدمها العسكر. هذا هو الهاجس الرئيسي الذي يقض مضجع العسكر في الجزائر، ولعل اختلاق فتنة عرقية بين الجزائريين ثم التدخل بقوة من أجل إنهائها بإجراءات استثنائية وحالة طوارئ مشددة، يبدو سيناريوها محتملا بقوة في الأيام القليلة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى