افتتاحية الدار: الملك يعين أخنوش ويكرس الخيار الديمقراطي في بناء المؤسسات
الدار/ افتتاحية
كثيرة هي التعليقات والتأويلات التي تسرعت في التخمين والتوقع بشأن اختيار الشخصية التي ستمثل حزب التجمع الوطني للأحرار في رئاسة الحكومة والتكلّف بتشكيلها. فسرعان ما بدأت هذه القراءات غير المتأنية في الحديث عن شخصيات أخرى من الحزب مثل مولاي حفيظ العلمي كرئيس مكلف لتشكيل الحكومة في الوقت الذي يمثل فيه عزيز أخنوش دستوريا وسياسيا الرجل الأولى بهذه المسؤولية. لقد ورث المراقبون والمحللون وحتى بعض الأكاديميين هذا النقاش اللامبرر من التجربة السابقة التي أفضت إلى اختيار سعد الدين العثماني بدلا من عبد الإله بنكيران لقيادة الحكومة وتشكيلها. هذه التجربة التي كانت مجرد قوس استثنائي بسبب عجز رئيس الحكومة الأول عن أداء المهمة سرعان ما تحولت في أذهان البعض إلى تأويل مناسب للفصل 47.
لكن إذا تأملنا جيدا التفعيل الملكي لهذا الفصل منذ انتخابات 2011 سنلاحظ التزاما ملكيا تاما بالمنهجية الديمقراطية في اختيار الشخصية المعنية بالتكليف. في 2011 بادر جلالة الملك إلى تعيين عبد الإله بنكيران باعتباره الأمين العام للحزب الفائز بالانتخابات آنذاك، حزب العدالة والتنمية، ثم تكرر التعيين ذاته بمناسبة 2016 عندما تم تكليف الشخصية نفسها لأداء هذه المهمة. هذا يعني أن التأويل الأساس لمنطوق الفصل 47 هو اختيار رئيس الحزب، وليس أيا كان من حزبه، مهما علت مواقعهم في الهيئات التنفيذية. بعبارة أخرى لو كان عبد الإله بنكيران نجح في تشكيل الأغلبية عقب تكليفه في 2016 لما حلُم سعد الدين العثماني بتحمل هذه المسؤولية، وإنما كان تكليفه مجرد حل سياسي ديمقراطي لعجز سلفه بنكيران عن أداء المهمة. بعبارة أوضح لقد كان تعيين العثماني مجرد حالة استثنائية فرضتها ظروف تشكيل الحكومة.
ولهذا فإن مسارعة الملك محمد السادس بالأمس إلى تعيين رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش وتكليفه بتشكيل الحكومة يعتبر حسما نهائيا في مسألة تأويل الفصل 47 من الدستور. التأويل المنطقي والأساس إذن هو تكليف الأمين العام أو رئيس الحزب، أو زعيمه أولا بهذه المهمة. ولا يتم اللجوء لتعيين شخصية أخرى من الحزب إلا إذا توفرت الموانع وانتفت الشروط التي تسمح بتعيين المسؤول الأول. إن في هذه الممارسة التي كرسّها جلالة الملك رسالة عميقة للأحزاب السياسية ولديمقراطيتها الداخلية بالأساس. إذ من المفترض أن يكون الحزب الفائز بالانتخابات في المغرب حزبا قادرا على إفراز أفضل ما عنده على رأس القيادة، أي أن يقدم أعلى الكفاءات وأكثرها استحقاقا لهذه المسؤولية المتمثلة في رئاسة الحكومة.
وهذا التفعيل الملكي للفصل 47 من الدستور يضع على عاتق هذه الأحزاب السياسية مسؤولية من صميم مهامها الطبيعية المتمثلة في الحرص الشديد على تصعيد نخب كفؤة وقادرة ومؤهلة لمواجهة التحديات التي ستلقى على عاتقها، لكن الكفاءة وحدها لا تكفي وإنما يجب أن يرتبط ذلك باحترام القواعد الديمقراطية التي يمكن أن تفرز مثل هذه النخب. إن حزب التجمع الوطني للأحرار مليء بالكفاءات والنخب التي لا تقل مستوى عن رئيسه عزيز أخنوش، لكن الكفاءة وحدها لا يمكن أن تزيح القواعد الديمقراطية التي تضع كل شخصية في الموقع الطبيعي واللائق بها. ولذلك فإن عزيز أخنوش لا يمكن إلا أن يكرس العرف الديمقراطي المرتبط بالفصل 47، الذي كان في الماضي مناط خلافات وجدل سياسي كبير بين الدولة والمعارضة، عندما كانت الشخصيات التقنوقراطية تعوض الشخصيات الحزبية بما يعنيه ذلك من مواجهات لا يحتاجها المغرب اليوم. إننا مقبلون على مرحلة جديدة رهانها الرئيس هو تسريع الأوراش والبرامج التنموية لكن ذلك لا يتم إلا باحترام القواعد وتعميق البناء الديمقراطي، وهذا ما ذكرنا به جلالة الملك من خلال تعيين الأمين العام للحزب الفائز في اقتراع 8 شتنبر.