أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: الأمن الصحي للمغاربة.. أولوية الدولة المغربية

الدار/ افتتاحية

على الرغم من أن وقع المفاجأة قد يكون مزعجا ومخيفا أحيانا بالنسبة لبعض المغاربة إلا أن القرارات التي تم اتخاذها تباعًا في مسألة تدبير جائحة فيروس كورونا تؤكد بالملموس أن الدولة المغربية وضعت نهجا راسخا في تعزيز فعاليتها ونجاعتها في ظروف الأزمات. الشروع غدا في فرض جواز التلقيح كوثيقة قانونية معتمدة لمختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وفرض قيود على الرحلات الجوية نحو عدد من البلدان الأوربية الموبوءة بمتحور جديد، ثم الحسم في ضرورة أخذ الجرعة الثالثة، كلها قرارات تصب في اتجاه الحفاظ على العديد من المكتسبات التي تحققت خلال العامين الماضيين، واستطاعت الدولة أن تثبت من خلالها أنها عازمة على تدشين مرحلة جديدة.

لن تترك السلطات المجال أمام حالة التراخي أو عدم الالتزام أو الفوضى لهدم كل ما تم تحقيقه من مكتسبات صحية مهمة، كان أهمها محاصرة الوباء وتراجع درجة انتشاره وتخفيف الضغط تماما على مصالح الإنعاش والعناية المركزة في مختلف المستشفيات والوحدات الصحية. الذين يتأففون من الإجراءات الجديدة أو يتهكمون عليها أو يعبرون عن نوع من الانزعاج من فرض جواز التلقيح يعلمون أن هذا القرار كان آتيا لا محالة، وأن إرهاصاته بدأت منذ انطلاق حملة التلقيح الوطنية، التي استثمر فيها المغرب المليارات من الدراهم وعشرات الآلاف من الموارد البشرية، من أجل بلوغ مرحلة المناعة الجماعية وإنهاء هذه الأزمة بشكل كلي.

لا يمكن بعد أن بلغنا مرحلة جد متقدمة في تحقيق هذه المناعة الجماعية، ووقفنا في لحظة مفصلية أن نتراجع هكذا فقط لأن مزاجنا أو رغبتنا الشخصية أو قراءتنا للأخبار المزيفة والآراء التآمرية تمنعنا من اتخاذ قرار جريء لمصلحتنا والحصول على اللقاح الذي سيحل المشكلة ويجعل السلطات والناس أيضا يتفرغون لما هو أهم من بناء للمستقبل وانكباب على الواجبات والأولويات الأخرى. ومن المفيد تأمل القرارات الموازية التي تم اتخاذها بالأمس لفهم هذه المسألة، والتأكد من أن الأمر يتعلق بخيار استراتيجي لا رجعة فيه. هل من مصلحة المغرب أن يوقف رحلاته الجوية مع عدد من الدول الأوربية الشريكة التي تعتبر مصدرا مهما للسياح الأجانب الوافدين على المغرب والمساهمين في إنقاذ هذا القطاع؟

لو أن السلطات المغربية تعاملت مع الوضع بنوع من الاستهتار وعدم الاكتراث لما اتخذت قرارا كهذا، ولتركت الفنادق والمركبات السياحية تستفيد من هذا الزخم السياحي، لكن مصلحة الوطن والمواطنين أولى ومقدمة على المصالح الاقتصادية والفئوية. صحيح أن القطاع السياحي متضرر جدا وفي حاجة إلى انتعاش، لكن إذا كان ذلك سيكلف المغاربة أمنهم الصحي وسيجعلهم عرضة لمخاطر المتحور الجديد لفيروس كورونا، فإن الدولة أصبحت اليوم تفضل أن تتحمل الأضرار الاقتصادية والمالية على أن تضحي بالإنسان المغربي. هذا أيضا درس مهم أفرزته تجربة تدبير جائحة كورونا في المغرب، وجعلنا نفتخر كثيرا بكل القرارات التي تم اتخاذها.

لأجل ذلك، لا بد من الخروج من هذه الدائرة الضيقة التي تنظر إلى كل القرارات التي يتم اتخاذها من طرف السلطات نظرة اتهامية تفسر الأمور بمنطق المؤامرة والسيطرة بينما لا يعدو أن يكون الأمر مجرد إجراءات سيادية يمارسها بلد كامل السيادة على أراضيه، ولمصلحة مواطنيه. كما أن الخبرة التي راكمتها السلطات خلال العامين المنصرمين أصبحت تخول لها اليوم التصرف بشكل سريع واستباقي لأنها تنظر إلى التبعات المحتملة لهذه التطورات الوبائية المسجلة في بلدان الجوار، والتي يمكن بسرعة أن تتحول إلى موجة قاتلة جديدة تلقي بظلالها السوداء على وطننا وعلى مواطنينا.

زر الذهاب إلى الأعلى