أخبار الدار

رشيق: المقاربة الأمنية لوحدها لا يمكن أن تحد من المشاكل الاجتماعية والمجالية

الدار/ حاوره: رشيد عفيف

عبد الرحمان رشيق، باحث في علم الاجتماع، متخصص في الحركات الاحتجاجية، يسلط الضوء في هذا الحوار على التطور الذي عرفه الفعل الاحتجاجي بالمغرب في سياق ملتهب يتميز باحتجاجات فئوية لا تكاد تنتهي أهمها حركة الأساتذة المتعاقدين. ويؤكد رشيق في هذا الحوار أن المشهد الاجتماعي عرف في السنوات الآونة الأخيرة أشكالا احتجاجية غير مسبوقة بدء بالمقاطعة وصولا إلى ملاعب كرة القدم.

– تنامت في الآونة الأخيرة موجات احتجاجية فئوية شملت الأساتذة والطلبة وغيرهم. ما هي قراءتكم لهذا التنامي في الاحتجاجات الاجتماعية؟

تجلى الفعل الجماعي لمختلف الحركات الاحتجاجية في الفضاء العام (اعتصام، مظاهرة، مسيرة، الخ) في 700 حركة على امتداد سنة 2005، أي بمعدّل احتجاجين في اليوم الواحد. وارتفع هذا الرقم تدريجيا، إذ مرّ من 5000 فعل في 2008 إلى 6438 في 2009، ليصل إلى 8600 في 2010. وساهم النشاط المستمر لحركة 20 فبراير منذ 2011 في سياق "الربيع العربي" في ارتفاع محسوس لعدد الاحتجاجات. كما استمرّ عدد الاحتجاجات الجماعية في الارتفاع في ظلّ الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية. منذ 2013-2014، مع حكومة بنكيران أصبح القمع الممنهج مسلطا على كل من سولت له نفسه احتلال المجال العامة بدون رخصة إدارية مسبقة. وكانت الضحية الأولى لهذه السياسة هي حركات الشباب المعطلين الحاملين للشهادات، وإصدار أحكام قاسية على زعماء الحركات الاجتماعية.

– كأني بكم تؤكدون على دخول الاحتجاجات في المغرب سياقا سياسيا وتنتظيميا جديدا، ما هي نتائج هذا الانتقال؟

يعمّق هذا السياق الجديد الإحساس الجماعي بالخوفوبانعدام الثقة في المؤسسات، خاصة مع عودة السياسة السلطوية منذ 2013-2014 والتي حاولت الحدّ من الاحتلال السلمي للفضاء العام.

فعلا، بدأ الاحتجاج الاجتماعي يتقلص عدديا في الشارع، غير أنّه، وفي نفس الآن، أصبح ممتدا زمنيا، وأشدّ كثافة. وكمثال على ذلك، نسوق احتجاجات سكان إيميضر بإقليم تنغير (2011-2019)، والطلبة-الأطباء (2015)، والطلبة-الأساتذة (2015-2018)، وساكنة منطقة الريف (2016-2017)، وساكنة مدينة جرادة (2018) والأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات الجهوية لوزارة التعليم (2018-2019)… كما أنّ الانخفاض الرقمي لعدد الاحتجاجات في الفضاء العام، يُعوضه اليوم اللجوء إلى مساحات بديلة (ملاعب كرة القدم، مثلا النجاح  الرائع والتجاوب الكبير للحركات المطلبية مع أغنية "ظلموني فيبلادي" لجمهور نادي الرجاء البيضاوي التي تملأ مدرجات ملاعب كرة القدم)،  والاحتماء وراء الشبكات العنكبوتية كحركة المقاطعة مثلا التي كانت لها نتائج اقتصادية جد وخيمة على بعض المقاولات التي استهدفتها المقاطعة.

هيمنت على المشهد السياسي والإعلامي أشكال احتجاجية جماعية غير مسبوقة عكست حدود النموذج الديمقراطي القائم على وساطة الفاعلين الكلاسيكيين (الأحزاب، النقابات، الجمعيات). هذه الظاهرة تعرفها مجموعة كبيرة من الأنظمة السياسية، يمكن أن نسوق مثال فرنسا التي تعرف حركات اجتماعية مطلبية متكررة، لمدة أربعة أشهر، خارج المنظمات السياسية والنقابية الكلاسيكية.

فالصيرورة السياسية التي تكرست في المغرب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي المتميزة بانفتاحها على مكونات المجتمع، وبسلمية الاحتجاجات الاجتماعية الكثيفة والمتكررة، وصلت إلى الباب المسدود. نحن الآن أمام خيبة أمل اتجاه هذا النموذج الديمقراطي الذي يتميز بضعف الوسائط الاجتماعية، وبشبه توافق بين الأحزاب السياسية، وبالموقف السلبي للدولة من الاحتجاجات الاجتماعية في المجال العام.

– غالبا ما تتهم السلطة بعض الحركات الاحتجاجية الفئوية بأنها مسيرة ومدبرة من طرف جماعات وتيارات سياسية. إلى أي حد يخترق العامل السياسي في اعتقادكم الاحتجاجات الفئوية بالمغرب؟

مبدئيا لا يمكن أن توجد حركة اجتماعية معزولة عن التيارات السياسية والمنظمات النقابية. فحتى تنسيقيات الأساتذة المتعاقدين هي بحاجة إلى المساندة والتأطير، والفاعلون في هذه التنسيقيات يمكن أن تكون لهم انتماءات سياسية أو إديولوجية أو تعاطف مع حركات نقابية، إسلاموية..

– لقد أثار تعامل الأجهزة الأمنية مع احتجاجات الأساتذة بنوع من العنف جدلا كبيرا في المغرب. إلى أي حد يمكن أن تساهم المقاربة الأمنية في الحد من الاحتجاجات أو في تفاقمها؟

المقاربة الأمنية لوحدها لا يمكن أن تحد من المشاكل الاجتماعية والمجالية التي يعرفها المغرب. العنف كما يقال يولد العنف المضاد. فالحركات الاجتماعية برهنت عموما على نضجها وسلميتها في احتلال المجال العام للتعبير عن مطالبها منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، كما كانت الأجهزة الأمنية كذلك تلتزم الحياد في العديد من المحطات التي بلغت فيها الحركات الاجتماعية أوجها، يمكن أن نذكر التدبير السياسي الذكي لحركة 20 فبراير والمظاهرات السلمية المتكررة خلال سنة 2011. لكن ابتداء من سنة 2013 تغير السلوك السياسي للدولة في تدبير الحركات الاجتماعية الغاضبة التي تسعى إلى احتلال المجال العام كما أشرت إلى ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى