الدار- تحليل
خلفت أحداث الشغب التي شهدتها مباراة الجيش الملكي والمغرب الرياضي الفاسي، أمس الأحد، إصابات في صفوف عناصر الشرطة، والتي تحول على إثرها المركب الرياضي مولاي عبد الله إلى ساحة حرب، في أعمال أخرجت كرة القدم من اطارها الفرجوي التشويقي الى نطاق العنف والعنف المضاد.
وكشفت المديرية العامة للأمن الوطني عن إصابة 85 شرطيا بجروح وإصابات متفاوتة الخطورة، من بينهم 63 مصابا تم نقلهم للمستشفى الجامعي ابن سينا، و14 مصابا تم الاحتفاظ بهم بمستشفى التخصصات، و8 مصابين تم نقلهم للمستشفى العسكري بالرباط، حيث يشرف طاقم طبي من مفتشية مصالح الصحة للأمن الوطني على متابعة عملية استشفائهم وتمكينهم من المساعدات الطبية اللازمة.
كما أعلنت مصالح الأمن الوطني إلى غاية هذه المرحلة من البحث إصابة 18 عنصرا من القوات المساعدة بجروح وكدمات ورضوض، فضلا عن إصابة 57 من الجمهور بإصابات مختلفة، من بينهم 34 مصابا تم إسعافهم بعين المكان من طرف الطواقم الطبية والتمريضية، بينما تم نقل باقي المصابين لمختلف المؤسسات الاستشفائية بالرباط.
ورغم الحملات التوعوية التحسيسية طيلة السنوات الأخيرة، فقد تعدت أعمال الشغب مدرجات الملاعب إلى خارج أسوارها، لتقدم صورا سلبية لا تمت بصلة للروح الرياضية وأخلاقها، وهو ما تجلى أمس الأحد في تخريب التجهيزات الرياضية، فضلا عن إصابة العديد من المشجعين من الأندية المتبارية وعناصر القوات العمومية التي تسهر على أمن وسلامة اللاعبين والمتفرجين.
و بالقدر الذي استنكر به جميع المتتبعين هذه الاعمال التخريبية، والماسة بالسلامة الجسدية لعناصر الأمن الوطني، فانها تسائل، أيضا مختلف الفاعلين والساهرين على الشأن الرياضي عموما بالمغرب عن مدى فعالية ونجاعة المقاربات المعتمدة للحد من ظاهرة الشغب بالملاعب.
فلا الحملات التحسيسية في أوساط المشجعين لتوعيتهم بخطورة ظاهرة الشغب، أعطت أوكلها، ولا العقوبات التي يتم فرضها أعطت ثمارها، كذلك، لتبقى المقاربة الأمنية الاستباقية عبر إحداث فرقة أمنية متخصصة في تأمين التظاهرات الرياضية، هي الأنجع لحد الساعة، وهو ما عايناه أمس، فلولا تدخل هذه الفرق لا تحولت هذه الأحداث الى ما لا يحمد عقباه، والنتيجة إصابة عدد من أفراد الشرطة، و الأمن باصابات وجروح.
على مستوى الترسانة القانونية، تم العمل على إخراج نصوص قانونية لمكافحة العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، وهو القانون رقم 09.09، الذي يعدل ويتمم القانون الجنائي، من خلال إضافة الفرع الثاني مكرر، وتحديدا الفصول من 308-1 إلى 308-19، والرامي إلى ردع المتسببين في الأعمال التخريبية خلال التظاهرات الرياضية أو بعدها، من خلال تجريم مجموعة من الأفعال، وسن مجموعة من العقوبات.
والخطير في أعمال الشعب هاته، هو أنها بدأت تأخذ أبعادا أخرى حيث انتقلت من استعمال المشجعين للعنف ضد اللاعبين والحكام، إلى اشتباكات جماعية بين مشجعي الأندية المتبارية داخل الملاعب، وهو ما شاهدناه، أمس الأحد، في مباراة الجيش الملكي، والمغرب الفاسي، التي انتهت بتأهل هذا الأخير إلى ثمن نهائي كأس العرش، عقب انتصاره على الفريق العسكري بهدفين نظيفين، في المباراة التي جرت أطوارها أمس الأحد، على أرضية مركب مولاي عبد الله بالرباط.
كما أن خطوة هذه الأعمال التخريبية تكمن في نقل المشجعن مشاداتهم ومشاجراتهم، جسدية كانت أم لفظية إلى خارج أسوار الملاعب لتطال محيطها، وتتسبب في المساس بممتلكات الغير، وفي استهداف عناصر القوة العمومية التي تدخلت أمس وهي تخاطر بأرواحها في جو مشحون بالعنف والتوتر.
وضع لم يعد يسر أحد، مما يستدعي الأمر ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، وتضافر جهود جميع المتدخلين ك من موقعه، كما أضحى من اللازم فرض دفتر تحملات على المكاتب المسيرة للأندية من أجل تنظيم التظاهرات الرياضية، حيث تتحمل الجامعات الرياضية، وعلى رأسها جامعة كرة القدم، مسؤولية جسيمة، وفق المادتين 78 و79 من قانون التربية البدنية والرياضة والمرتبطة بسلامة تنظيم المنافسات والتظاهرات الرياضية.
كما أن مسؤولية الأندية في هذا المضمار، تبقى ثابتة، حيث تشير المادة الخامسة من النظام الأساسي النموذجي للجمعيات الرياضية، الى أن من بين الأهداف “ربط علاقات مع المشجعين والجمعيات التي يحدثونها بهدف تشجيع الجمعية وحثهم على احترام النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة للرياضة، سيما تلك المتعلقة بمحاربة العنف المرتكب أثناء المباريات والتظاهرات الرياضية أو بمناسبتها”.
فالمسؤولية اذن مشتركة، و لا يجب أن تشكل أحداث الشغب، التي شهدها المركب الرياضي مولاي عبد الله، أمس الأحد، منصة لتبادل الاتهامات، بل فرصة من أجل وقفة تأملية لإيجاد الحلول الكفيلة بوقفة أعمال شغب تحولت الى ظاهرة تسيء الى سمعة كرة القدم الوطنية، وأخرجت لعبة كرة القدم من نطاقها الفرجوي المحض الى نطاق العنف والشغب.