لماذا ستبقى حكومة عزيز أخنوش منسجمة ومتماسكة؟
الدار/ افتتاحية
ما إن فترت شائعة التعديل الحكومي الذي لم تكن أخباره إلا رجما بالغيب، حتى بدأت بعض أحاديث الليل عن خلافات داخل الأغلبية الحكومية تطفو على سطح شبكات التواصل الاجتماعي، فيما يبدو على أنه محاولة لصنع شروط الأزمة داخل أغلبية تعد الأكثر تماسكا وانسجاما منذ عقود. بل إن نقطة القوة الرئيسية التي تمتلكها حكومة عزيز أخنوش هي هذه الُّلحمة التي تجمع مكوناتها مستفيدة من نتائجها الانتخابية المريحة ومكوناتها الحزبية المحدودة التي لا تتعدى ثلاث هيئات سياسية. ونريد قبل أن نبسط الأسباب الموجب لضرورة استمرار هذا الانسجام والتماسك أن نؤكد أن هذه الحكومة ليست كسابقاتها وأنها لن تواجه بتاتا أي إكراه من الإكراهات الذاتية التي عطّلت عمل حكومات عديدة في السابق.
الإكراهات الوحيدة التي تواجهها الحكومة الحالية هي الإكراهات الموضوعية المرتبطة بالظرفية الدولية الاقتصادية والأمنية الصعبة التي أدّت إلى أزمات سواء على مستوى التضخم أو ارتفاع أسعار المحروقات أو بوادر الأزمة الغذائية العالمية وانقطاع سلاسل التزويد. هذه المشكلات التي تعصف بالعديد من دول العالم وحدها تكفي لتعطيل عمل أي حكومة في الدنيا، ولا حاجة للترويج لمشكلات أخرى وهمية كمسألة الخلافات أو عدم انسجام مكوناتها. وتبدو إكراهات الظرفية الدولية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد والسوق الداخلية واحدة من الأسباب الرئيسية التي يمكن أن تمثل عامل تقوية وتعزيز لانسجام الأغلبية وتماسكها وراء مشروعها الحكومي الذي بدأت به بكل ما يعنيه ذلك من تعبئة للأفكار والبرامج والمقترحات الاستثنائية.
ويبدو مشهد إطلاق مشروع تمويل المقاولات الشابة “فرصة” أكبر إشارة تطلقها حكومة عزيز أخنوش للتأكيد على استمرار نهجها وإصرارها على تنفيذ التزاماتها الانتخابية بالرغم من كل الإكراهات المفاجئة التي تحيط اليوم ببلادنا. لقد أصرت حكومة عزيز أخنوش على إطلاق هذا الورش على الرغم من ارتفاع الفاتورة الطاقية واستمرار تراجع المداخيل من بعض القطاعات الحيوية كالقطاع السياحي إضافة إلى موجة التضخم العالمية. وينطوي هذا الإصرار على إطلاق مشروع يستهدف تمويل آلاف المقاولين الشباب بتمويلات دون فوائد على رسالة سياسية لكل المشككين في إمكانية وفاء هذه الحكومة بالتزاماتها سواء تلك التي أعلنت عنها الأحزاب خلال الحملة الانتخابية أو تلك المتضمنة في التصريح الحكومي.
لماذا ينبغي أن تعزز حكومة عزيز أخنوش تماسكها وانسجامها؟ الجواب ببساطة ينبع من هذه الحاجة الحيوية والمستعجلة للتصدي لنتائج الأزمة العالمية. بأي كلفة يمكن أن يواجه الاقتصاد الوطني هذه التداعيات إذا انضافت إليها أزمة سياسية أو خلافات داخل الجهاز التنفيذي؟ من المؤكد أن الكلفة التي سيتحملها الاقتصاد الوطني ستكون مضاعفة في الوقت الذي تحتاج فيه الكثير من الفئات الاجتماعية الهشة إلى الدعم والحماية أكثر من أي وقت مضى. ولهذا فإن حكومة عزيز أخنوش لم تعد مجرد جهاز شرعي بالنظر إلى أنه نابع من صناديق الاقتراع، بل إن هذه الحكومة بمكوناتها الحالية وتصورها الأولي تمثل في نظرنا ضرورة مرحلية لا يمكن الاستغناء عنها، بالنظر إلى المهمة الحيوية الملقاة على عاتقها والمتمثلة في تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية.
لقد جاءت حكومة عزيز أخنوش بمشاريع وبرامج جد طموحة لن تتراجع أبدا عن تنفيذها قدر المستطاع، لكنها أيضا محمّلة بمهمة تاريخية بلورتها الإرادة الملكية لحلّ المعضلة الاجتماعية في المغرب بشكل نهائي. وإذا لم تنفذ حكومة عزيز أخنوش إلا مشروع تعميم الحماية الاجتماعية لكفاها ذلك كإنجاز حكومي غير مسبوق. لقد ظل الاتحاديون لسنوات يرددون باستمرار أنهم كان لهم الفضل في إنجاح ورش كهربة العالم القروي، بينما يتعلق الأمر في مشروع الحماية الاجتماعية بإدراج ملايين المغاربة ضمن منظومة الوقاية من الهشاشة والفقر، وضمان التغطية الصحية بشكل متساوي لكل المغاربة. لهذه الأسباب إذن تظل حكومة عزيز أخنوش متماسكة ومنسجمة وستبقى حتى إنهاء مهامها الدستورية.