جهود وخطوات كبيرة تعزز مكانة المغرب فاعلا في مجال الابتكار التكنولوجي والفضائي
الدار- خاص
بخطى ثابتة يسير المغرب نحو الارتقاء إلى أعلى المراتب عربيا وإفريقيا في مجال الفضاء، مسلحا بإمكانيات مهمة على رأسها البشرية، وإطلاق قمرين صناعيين، سيسهمان في تعزيز استقلالية المملكة في هذا المجال، علما أن المغرب يعد ثالث دولة في أفريقيا تطلق قمرين صناعيين.
أقمار صناعية للوقاية من الكوارث وتدبير المخاطر
سعيا من المملكة المغربية إلى تطوير بنية تحتية تكنولوجية متقدمة عالية الجودة لفائدة المراقبة الخرائطية، عوض اللجوء فقط إلى التصوير الجوي أو طلب صور من لدن موردين على المستوى الدولي؛ أطلق المغرب في 10 نونبر 2018، القمر الصناعي “محمد السادس ب” من محطة غيانا الواقعة على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية التابعة للسيادة الفرنسية، مُخصص لمراقبة تراب المملكة المغربية، وقد تم تطوير هذا القمر الصناعي من طرف كل منThales Alenia Space وشركة إيرباص.
مهمة هذا القمر الصناعي تتمثل أساساً في رسم الخرائط وأنشطة المسح الخرائطي لخدمة أهداف التنمية والرصد الفلاحي والوقاية من الكوارث الطبيعية وتدبيرها، إضافة إلى رصد التغيرات البيئية والتصحر، فضلا عن مراقبة الحدود الساحلية، وسيوفر، إلى جانب القمر الصناعي الأول، وبشكل مشترك، تغطية شاملة وأوسع للمنطقة ككل.
وقبل ذلك بسنة، وتحديدا يوم 7 نونبر 2017، أطلق المغرب قمرا صناعيا يحمل اسم “محمد السادس-أ”، وذلك من قاعدة كورو التابعة لمنطقة غوايانا الفرنسية على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية، يتم استعماله لأهداف مدنية وأمنية، كالمسح الخرائطي والرصد الزراعي والوقاية من الكوارث الطبيعية وإدارتها، ورصد التغيرات في البيئة والتصحر، فضلا عن مراقبة الحدود والسواحل.
هذا القمر، الذي يحلق على ارتفاع 695 كيلومترا من الأرض، قادر على التقاط خمسمئة صورة يوميا وإرسالها إلى محطة التحكم الأرضية قرب مطار العاصمة الرباط حيث سيقوم مغاربة بتسييره.
وفي هذا الاطار، ساهم القمران الصناعيان محمد السادس “أ” و”ب” في توفير صُور غطت مساحتها حوالي 250 ألف كيلومتر مربع، خلال سنة 2019، كما وفر القمران، اللذان جرى إطلاقهُما خلال السنتين الماضيتين من محطة كورو بمنطقة غويانا الفرنسية، أزيد من 370 خريطة موضوعاتية.
جهود المملكة في مجال الفضاء، انطلقت في 10 دجنبر سنة 2001، بإطلاق القمر الصناعي “زرقاء اليمامة” عبر قاعدة “بايكونور” في كازاخستان بواسطة الصاروخ الفضائي الروسي “زينيت 2” وبعد إتمام عملية الإطلاق ، وُضع “زرقاء اليمامة “على مدار فضائي بعلو يناهز 1000 كلم.
ويستخدم القمر الاصطناعي المغربي منذ سنوات في المراقبة الأرضية للحدود المغربية وجمع البيانات والمعلومات وإرسالها إلى الجهات المختصة، علما أن مشروع “زرقاء اليمامة” كان من اقتراح الملك الراحل الحسن السنة سنة 1993، وتكلف الملك محمد السادس بعد توليه الحكم بمتابعة برنامج تطويره شخصيا.
ويتوفر “زرقاء اليمامة” على أربع لوحات شمسية وأربع بطاريات وجهاز للتحكم في الطاقة بينما يبلغ وزنه 45 كليوغراما، ويقوم بإتمام 14 لفة حول العالم يوميا منها 4 لفات فوق المغرب.
تشجيع البحث العلمي والتكوين في مجال علوم الفضاء
على مستوى التكوين، تم في 16 فبراير 2022، التوقيع على اتفاقية إطار مهمة لتعزيز تكوين المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين ذوي الكفاءات العالية في مختلف القطاعات الصناعية، بما فيها الفضاء
وتضع هذه الاتفاقية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في خدمة تكوين متلائم مع الاحتياجات المتنامية والبالغة الدقة للمصنعين على مستوى الكفاءات المتخصصة، وعلى رأسها الفضاء، كما تلتزم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بموجب الاتفاقية، بتعبئة الجامعات لتكوين المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين العالين، طبقا للاحتياجات الخاصة المعبر عنها من قبل المصنّعين عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والجمعية المغربية لصناعة وتركيب السيارات وتجمع الصناعات المغربية للطيران والفضاء، وذلك بهدف سد الفجوة الكمية والنوعية على مستوى تكوين المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين العالين بحلول سنة 2025.
المركز الملكي للاستشعار البعدي…فضاء للتفكير والرصد
وتشجيعا للأبحاث المتصلة بعلوم الفضاء، يتوفر المغرب على “المركز الملكي للإستشعار البعدي” يعهد إليه بتطوير استعمال وتطبيقات الإستشعار الفضائي بالمغرب، و السهر على وضع وتنفيذ البرنامج الوطني في مجال الإستشعار الفضائي بتعاون مع القطاعات الوزارية المعنية وكذلك الفاعلين الإقتصاديين الخواص والمراكز الجامعية.
وتتمثل مهام المركز الملكي في الإشراف على جمع وتحليل معطيات وصور مراقبة الأرض ووضعها رهن إشارة المستعملين، كما يقوم المركز بإجراء الدراسات المنهجية والبحوث العلمية في مختلف الفروع العلمية والعملية المتعلقة بالتقنيات الفضائية والميادين المتصلة بها (الإستشعار الفضائي، أنظمة المعلومات الجغرافية، أنظمة تحديد المواقع، الإتصالات)، كما يقدم المركز الملكي برنامجا للتكوين المستمر لإعداد وتدريب الأخصائيين في مجال التقنيات الفضائية كما يساهم في برامج وأعمال للبحث العلمي في إطار شراكة مع مؤسسات وطنية ودولية.
على مستوى الحضور الدولي، يقوم المركز الملكي للإستشعار البعدي الفضائي بمتابعة الأنشطة الدولية المتعلقة بشؤون الفضاء من أجل رعاية المصالح الوطنية ومسايرة التقدم وتسهيل نقل ونشر التكنولوجيا وتعزيز التعاون على الصعيد الدولي. وتتبلور هذه المجهودات على شكل توقيع اتفاقيات تفاهم وتعاون بين المركز الملكي والعديد من شركائه الدوليين، و المشاركة في العديد من البرامج الجهوية والدولية، وكذا مساهمة أطر المركز الملكي في أنشطة المنظمات والهيئات والوكالات الدولية كأعضاء أو خبرا، فضلا عن التعاون مع المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
الى جانب ذلك، يضطلع المركز بدور تشجيع استعمالات الإستشعار الفضائي من خلال تكوين وإعداد الأخصائيين ومتخذي القرار في مختلف الفروع العلمية المتصلة بتقنيات الإستشعار عن بعد، الى جانب القيام بمبادرات إعلامية على أصعدة متعددة وبأشكال متنوعة بهدف تحسيس الباحثين والمسؤولين وكذلك الشباب بالإنعكاسات الإيجابية لاستغلال الفضاء في المجالات الإجتماعية والإقتصادية.
من جهة أخرى، وقع المغرب شهر غشت 2021، على الميثاق الأساسي للمجموعة العربية للتعاون الفضائي، وذلك خلال زيارة وفد رسمي مغربي برئاسة مدير عام المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي الدكتور ادريس الحداني، لمقر وكالة الإمارات للفضاء في أبوظبي جرى خلالها بحث آفاق التعاون في المجال الفضائي بين البلدين الشقيقين.
المغرب أول دولة عربية تربط الاتصال مع محطة فضائية دولية
كما كان المغرب أول دولة عربية تربط الاتصال مع محطة فضائية دولية (إي.إس.إس)، وذلك في مؤتمر فضائي احتضنته المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، الأربعاء 3 يناير 2018.
ورام هذا الاتصال الفضائي، غير المسبوق في تاريخ العالم العربي إلى النهوض بالبحث العلمي والابتكار في مجال الاتصالات الفضائية، ما من شأنه تعزيز مكانة المملكة باعتبارها فاعلا جديدا في مجال الابتكار التكنولوجي والفضائي، كما يؤكد ريادة المملكة على الصعيدين الإقليمي والعربي، ويكرس دخول المغرب إلى نادي البلدان التي تتوفر على تكنولوجيا للاتصالات الفضائية.
كل هذه الجهود تدخل في اطار عزم المغرب، وضع استراتيجيات قائمة على اقتحام مجال الفضاء أو عبر دخوله نادي الأقمار الصناعية، بغية تعزيز قدراته الأمنية خاصة في مجالي التصوير والتوثيق لمواجهة كل المخاطر البرية والبحرية التي قد تهدد أمنه في سياقات إقليمية ودولية مليئة بالتوترات والتهديدات الإرهابية.