الحسن الداكي: عملنا على إعداد دراسة تشخيصية شاملة لمقاربة موضوع زواج القاصر من الجوانب القضائية والميدانية والاجتماعية

الدار/ هيام بحراوي
كشف الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، بمناسبة تقديم خطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصر، في لقاء تم تنظيمه بالصخيرات، يومي 22 و23 نونبر، أن رئاسة النيابة العامة، عملت على إعداد دراسة تشخيصية شاملة في الموضوع، قاربت من خلالها المعطيات القضائية، وكذا الجوانب الميدانية والاجتماعية المرتبطة بواقع هذه الظاهرة، وخلصت إلى استنتاجات غاية في الأهمية، كانت نتاجا لرصد واقع الممارسة القضائية ذات الصلة بمسطرة زواج القاصر من جهة، وتحليلا للواقع المعيش لفئة مهمة من القاصرات ضحايا هذا الزواج من جهة أخرى.
وقد مكنت المعطيات المستقاة من الدراسة التشخيصية، حسب رئيس النيابة العامة، من تحديد مجالات التدخل بدقة، كما أظهرت بالملموس أن ظاهرة الزواج المبكر ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التطبيق العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، بل شأنا مجتمعيا تتعدد أسبابه وتتراوح بين ما هو اجتماعي واقتصادي، وما هو ثقافي، وما هو ديني كذلك في بعض الأحيان ينطوي على تفسير مغلوط للمقتضيات الشرعية، مما يقتضي معه مقاربة الموضوع بشكل شمولي ومندمج بغية كسب الرهان بتطويق الظاهرة في أفق القضاء عليها.
وقد شكل ذلك منطلقا لإعداد خطة بمثابة خارطة طريق للتصدي لهذه المعضلة التي يقول المتحدث، تؤثر على ضمان ممارسة الأطفال لحقوقهم الكاملة.
وتمحورت هذه الخطة حول أربع مؤشرات جوهرية تتجسد في تغيير العقليات والموروث الثقافي، والسياسات العامة، والإجراءات القضائية، ثم الجانب التشريعي.
كما أوضح الحسن الداكي، في كلمته لتقديم خطة العمل المندمجة حول زواج القاصر ، أن رئاسة النيابة العامة، عملت بشراكة مع كافة القطاعات المعنية بالموضوع لإعداد هذه الخطة وتملكها من طرف الجميع إثر عدة اجتماعات نظمت لهذه الغاية، وحددت الإجراءات الواجب اتخاذها والمبادرات القطاعية او المشتركة الواجب تنفيذها.
وقال الداكي، أن رئاسة النيابة العامة عملت منذ تأسيسها على إيلاء حماية الطفولة أهمية قصوى، وجعلتها من بين أولويات السياسة الجنائية التي يتعين الحرص على تنفيذها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد أفردت للموضوع عدة مناشير ودوريات تحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل، وواكبت ذلك بوضع وتنفيذ برامج للتكوين والتكوين المستمر لقضاة النيابة العامة تعزيزا لقدراتهم وخبراتهم في المجال.
واستكمالا لهذه المجهودات، وإسهاما منها في رفع التحدي الذي انخرط فيها المغرب لمواجهة ظاهرة تزويج القاصر باعتبارها من الممارسات التي ينعكس أثرها السلبي على ضمان تمتع الأطفال بحقوقهم الكاملة، يضيف الداكي، جعلت رئاسة النيابة العامة مناهضة الزواج المبكر ضمن أولوياتها وفي مقدمة توجيهاتها للنيابات العامة.
ويندرج في نفس السياق ورش الوقاية من الهدر المدرسي الذي خاضته رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مشكورة، من أجل تفعيل المقتضيات القانونية المضمنة في قانون التعليم الإجباري والذي ينص على أن التعليم الأساسي حق وواجب لجميع الأطفال المغاربة ذكورا وإناثا، وأن الدولة تلتزم بتوفيره لهم مجانا كما يلتزم الآباء والأولياء بتنفيذه إلى غاية بلوغهم الخامسة عشرة من عمرهم بالحرص على تسجيلهم وترددهم بانتظام على المؤسسة التعليمية، كما ينص نفس القانون من جهة أخرى على معاقبة الأشخاص المسؤولين عن الطفل الذين لا يتقيدون بهذه الأحكام.
وقد استطاعت هذه الشراكة، حسب المتحدث، تحقيق نجاح كبير باسترجاع عدد لا يستهان به من الأطفال والطفلات الذين غادروا الدراسة، كما تم التفاعل مع الأسباب التي أدت إلى انقطاعهم بمسؤولية وإيجابية عالية من قبل كافة المتدخلين سواء تعلق الأمر بحاجة للنقل المدرسي أو الإيواء وغير ذلك من الإكراهات الاجتماعية، ما يؤكد هنا أيضا الحاجة الدائمة إلى التنسيق والتعاون والتقائية التدخلات.
وأشاد رئيس النيابة العامة، بانخراط القطاعات الحكومية الشريكة على استعدادها لتفعيل التوجهات المتفق عليها، متوجها بالثناء للرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على الدعم اللا مشروط للجهود التي تبدلها رئاسة النيابة العامة في التصدي لظاهرة تزويج القاصرات.
وتزامن هذا اللقاء، مع احتفاء العالم باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة والذي يعتبر محطة و وقفة للتأمل والتدبر وبلورة الأفكار والرؤى والاستراتيجيات الكفيلة بتحصين المكتسبات، وتعزيز تدخلات المعنيين في مجال حماية الطفل.
وأغتنم الداكي هذه المناسبة لشكر منظمة الأمم المتحدة على الدعم الدائم لمبادرات رئاسة النيابة العامة كما أشاد بانخراط القطاعات الحكومية الشريكة على استعدادها لتفعيل التوجهات المتفق عليها.
وقال أن ” هذا التفاعل من قبل الجميع يشكل نموذجا للتعاون والتنسيق حرصت رئاسة النيابة العامة على نهجه منذ تأسيسها، إيمانا بفضيلة مد جسور التواصل بين مختلف الفاعلين لتحقيق الالتقائية في البرامج، وتوحيد الرؤى…”.
وتابع ” إن تحقيق الرؤية الاستراتيجية القادرة على تنزيل المقتضيات الدستورية في مجال توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، واعتبار التعليم حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة، وكذا في مجال مناهضة التمييز ضد المرأة، وتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين والسعي لتحقيق المناصفة، هدف وطني نجاحه رهين بمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العديد من الحالات، كما يرتبط بشكل وثيق بالإيمان بأن ثروة المستقبل تتجسد في تثمين الرأسمال البشري، الذي تشكل الطفولة حلقة حاسمة في رسم ملامحه المستقبلية. وهو ما يفرض على الجميع المزيد من التعبئة والانخراط قصد حماية حقوق الطفل بمنظور شمولي يستهدف كل المجالات ذات الصلة، والحرص على توخي تحقيق مصالحه الفضلى”.
يشار أن أشغال هذا اللقاء الذي تم تنظيمه لتقديم خطة العمل المندمجة حول زواج القاصر، عرف مشاركة فعاليات حكومية وقضائية وعرف نقاشات حول الموضوع واستخلاص الملاحظات المفيدة وإعداد التوصيات الهادفة لإبراز المنجزات التي تحققت على أرض الواقع، و الوقوف عن قرب على حجم الرهانات المنتظرة، والتحديات التي يتعين رفعها في سبيل ذلك، انسجاما مع رهان النموذج التنموي الجديد .