الدار/ افتتاحية
التاريخ يكتبه الأسود في ملعب الثمامة بقطر. عرس كروي من المستوى العالمي، أول مدرب مغربي يحرز انتصارا في كأس العالم. هنا يحق لفاكهة “الأفوكا” أن تصبح فاكهة وطنية، وأن يُخصص لها يوم وطني للاحتفال بها. أسود الأطلس ينقذون المشهد العربي ويحفظون ماء وجه الكرة العربية بعد جولة ثانية عرفت مجموعة من الانتكاسات مع المنتخب التونسي والقطري والسعودي. أسود الأطلس روضوا الشياطين الحمر، المنتخب الذي يحتل المرتبة الثانية في تصنيف الفيفا، والمنتخب الذي لعب المربع الذهبي في كأس العالم بروسيا 2018. وهذه مجرد بداية ولا يزال في جعبة الأسود الكثير. مباراة المغرب وبلجيكا ستدخل التاريخ وستمثل مشهدا من أعراس الكرة الوطنية.
هذا يوم من أيام العرب التي لن تنسى في كأس العالم، كان فارسه الأول المدرب وليد الركراكي الذي نجح في قراءة المباراة قراءة تكتيكية جيدة، ليجري التغييرات اللازمة والحاسمة. الهدفان سجّلهما كل من اللاعب الصابيري وبوخلال، وهما اللاعبان اللذان أدخلهما المدرب في الشوط الثاني. عندما يُدخل المدرب لاعبين عبر التغيير وينجحان هما الاثنين في خلق الفارق وصناعة الهدفين، فهذا يعني أن البصمة التكتيكية للركراكي كانت حاسمة في النتيجة التاريخية التي تم تسجيلها اليوم. مدرب استطاع بسرعة أن يفرض أسلوبه وشخصيته على الجميع، وعندما يتخذ قراراته واختياراته فإن انعكاسها على المباراة يظهر بسرعة.
عندما قرر الركراكي أن يخرج أشرف حكيمي بكل ما يمثله من مستوى احترافي ربما لم يرُق ذلك لبعض المشاهدين، لكن الاختيار الذكي الذي قام به كان في الصميم. حكيمي كان يعاني من إصابة سابقة، وعندما خرج وانتقل مزراوي إلى مكانه ودخل اللاعب الموهوب عطية الله، سرعان ما تحقق المطلوب بعد حصول هذا الأخير على ضربة الخطأ التي سيسجلها الصابيري مباشرة في مرمى الحارس تيبو كورتوا. هذا الذكاء الذي أبان عنه وليد الركراكي في إدارته للمباراة، وجد أيضا أسودا حقيقيين كانوا قادرين على صنع الملحمة التي ستبقى خالدة في سجلّ انتصارات الكرة المغربية والعربية.
ما حققه المنتخب الوطني لكرة القدم اليوم ليس مجرد تحصيل لثلاث نقط وتربّعه على قمة الترتيب في المجموعة، وإنما هو أهم من كل ذلك. لقد نجح المنتخب بحكمة المدرب أن يكتسب الثقة الكاملة في إمكاناته وقدراته وأن يثبت للجمهور المغربي والعربي أنه جدير بهذه الثقة، ويخرس كل الأفواه المثيرة للوهن سواء في الداخل أو الخارج. يحقّ لنا اليوم أن نؤكد للمراقبين والمحللين أن الحصان الأسود الذي كنتم تبحثون عنه في هذه الكأس العالمية قد أعلن عن نفسه اليوم، إنهم أسود الأطلس الذين أصبحوا اليوم على بعد خطوة واحدة من التأهيل للدور الثاني لتكرار الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب مكسيكو 1986. بل إن عناصر المنتخب الوطني الذين عبّروا اليوم عن تمكّن وجبروت كروي منقطع النظير أصبحوا أكثر من أي وقت مضى قادرين على تجاوز الدور الثاني نحو إنجاز تاريخي عربي بالتأهل إلى ربع النهاية.
وما دام الجمهور الخارق للعادة الذي ظهر اليوم في ملعب الثمامة وسيطر على مدرجات الملعب وراء هذا المنتخب فإنه سيكون قادرا لا محالة على الذهاب بعيدا في هذه الكأس العالمية. لقد استطاع في المباراة الأولى أن يشلّ حركة وصيف بطل العالم والمصنف ثالثا في تصنيف الفيفا، واستطاع في مباراة اليوم أن يلقن بلجيكا التي تحتل المرتبة الثانية عالميا وتمتلك أحسن حارس في العالم درسا في الانضباط التكتيكي والأداء الرجولي و”الغرينتا” العاصفة التي تتجاوز أعتى المدافعين وتربك أبرع المهاجمين. “جابوها الأولاد” اليوم في قطر وهم قادرون في باقي المباريات، وخصوصا في مباراة كندا القادمة أن يثبتوا أن ما صنعه أشبال الركراكي اليوم ليس مجرد صدفة بل هو صنعة واجتهاد وحماس لفريق سيشرف الكرة العربية والإفريقية في أول كأس عالمية تقام على أرض عربية.