أخبار الدار

تحليل إخباري: هل ينتقل الحراك الجزائري إلى المواجهة مع الجيش؟

الدار/ رشيد عفيف

بإعلانه رفض التوجه نحو مرحلة انتقالية استجابة لمطالب الحراك الشعبي يكون الجيش الجزائري قد كرس واقع المأزق الذي دخلته البلاد منذ فبراير الماضي تاريخ بداية الربيع الجزائري. وأمام إصرار الجزائريين على تلبية مطالبهم بعد أن سكنوا شوارع المدن والبلدات في حراك تاريخي غير مسبوق تبدو المعركة النهائية بين الشارع والجيش حتمية لا محالة. فرغم كل المبادرات التي اتخذها رئيس الأركان قايد صالح بالاستجابة التدريجية لمطالب الشارع إلا أن سقف الثورة يزداد علوا يوما بعد يوم.

وأمام ثبات الشارع يزداد عناد الجيش الذي هاجم أمس الأربعامطء في افتتاحية المجلة التي يصدرها قوى سياسية معارضة وشخصيات مدنية من الحراك، تطالب بفترة انتقالية وتعارض الحل الدستوري، متهما هذه القوى بمحاولة دفع البلاد إلى الفوضى وخلط الأوراق، لإطالة الأزمة السياسية، واستدراج الجيش للتدخل في الشأن السياسي. وانتقدت الافتتاحية، التي أصبحت تعبر عن الخط السياسي للمؤسسة العسكرية منذ اندلاع الحراك، الشكوك السائدة في نوايا المؤسسة العسكرية وفي حملة التوقيفات الأخيرة التي طالت رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وكانت قوات الأمن الجزائرية قد عمدت يوم السبت الماضي بأمر من الجيش إلى توقيف عدد من رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة. وكان من بين أهم الموقوفين سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ووضعته تحت التحقيق. كما اعتقلت الرئيس السابق للمخابرات الفريق محمد مدين المدعو توفيق، وخلفه على رأس جهاز المخابرات والمقرب من شقيق الرئيس بشير طرطاق. وجاء توقيف هذه الشخصيات وغيرها بعد أسابيع طويلة أصر فيها المحتجون على ضرورة محاربة الفساد والمفسدين الذين بصموا حقبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

لكن على ما يبدو فإن كل المبادرات التي اتخذها الجيش الجزائري لتهدئة المتظاهرين وإعادة الهدوء إلى الشارع لم تنجح. وقد يدفع إصرار الجيش على السير قدما في الخيار الدستوري بدل المرحلة الانتقالية إلى انتقال العلاقة بين الشارع والمؤسسة العسكرية نحو القطيعة. وقد بدأت معالم هذه المواجهة المحتملة تتمظهر في أول أيام الحراك الرمضاني عندما رفع الطلبة الجزائريون يوم الثلاثاء الماضي شعار "لا صيام عن الحراك" وشعار "ماناش حابسين" في إشارة إلى استئناف الفعاليات يوم غد الجمعة. وجاءت مسيرة الطلبة ردا على خطاب ألقاه الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، مطالبين برحيل الباءات التي على رأسها بن صالح ووزيره الأول نور الدين بدوي.

ويرى بعض المراقبين أن جمعات الحراك الرمضانية قد تعرف تصعيدا نحو المواجهة بين الشارع وبين قيادة الجيش ممثلة في رئيس الأركان قايد صالح في حال ما إذا أصر على السير قدما في تطبيق الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 4 يوليوز المقبل. ورغم أن المتظاهرين لا يزالون يرفعون شعار "الجيش والشعب خاوة خاوة" إلا أن تجاهل قيادة الجيش لمطلب "يتنحاو كاع" الذي يلخص ضرورة اجتثات المنظومة السياسية الجزائرية كاملة يمكن أن ينهي قصة الود التي تجمع بين الطرفين منذ انطلاق فعاليات الحراك. وكانت علاقة الحراك بقيادة الجيش قد بدأت تتوتر في نهاية مارس الماضي عندما طلب قائد الأركان تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري والتي تقدم خيارات شغور منصب رئاسة الجمهورية ومن بينها تولي رئيس البرلمان رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون يوما.

وتجد المؤسسة العسكرية اليوم نفسها في وضع لا تحسد عليه. فرغم نجاحها في البقاء نسبيا خارج دائرة المطالب الرئيسية التي يرفعها الحراك بعد أن اختارت الاصطفاف إلى جانبه إلا أنها تواجه صعوبات متنامية في تدبير الأزمة السياسية التي دخلتها البلاد. وفي هذا الإطار يحاول المتظاهرون الذين لم يرفعوا إلى حدود اليوم أي شعار يمثل تيارا سياسيا أو إيديولوجيا معينا التمييز بذكاء بين الجيش وبين قيادته. وغالبا ما تستهدف الشعارات المناهضة قيادة الجيش وتؤكد على ضرورة التمييز بينها وبين المؤسسة العسكرية القوية التي تقود الجزائر منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي. ويبدو أن إصرار قايد صالح على عدم الاستجابة لمطلب الإطاحة بكل رموز النظام السابق ومن بينهم بن صالح وبدوي نابع من مخاوف بأن تشمل هذه المطالب في مرحلة لاحقة الإطاحة برأسه باعتباره واحدا من أبرز القيادات التي دبرت مرحلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وحقبة العشرية السوداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى