تحليل إخباري: ماذا تعلّم الدكتور العثماني من سلفه بنكيران؟
الدار/ رشيد عفيف
موقف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وهو يحاول الدفاع عن تماسك تحالفه الحكومي شبيه بموقفه وهو يدافع عن حصيلة حكومته. قليل من الحجة كثير من لغة الخشب. هذا جانب من الطروحات المتناقضة التي قدمها الطبيب النفساني في لقائه المفتوح ببيت الصحافة بطنجة أمس الأحد. فقد عكست هيمنة لغة الخشب على أجوبة رئيس الحكومة خروجه من جبة المناضل والداعية الإسلامي وارتدائه جبة السياسي بعد أن راكم في السنتين المنصرمتين الكثير من اللقاءات والندوات الصحفية. فرغم انتقاده المبطن لسلفه عبد الإله بنكيران بدا واضحا أن العثماني يستعين بالكثير من مقولات الرجل وأساليبه التواصلية المعروفة.
"نحن في هذه الحكومة ما شادين حتى واحد، واللي بغا يمشي الله يسهل عليه" بهذه العبارة البنكيرانية الخالصة يجيب سعد الدين العثماني عن التساؤلات بخصوص تنامي المعارضة من داخل التحالف الحكومي، ومعقبا على تهديدات نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الحليف الوفي للبيجيدي بالانسحاب من الحكومة. فمنذ تعيينه في مارس 2017 تركزت الانتقادات التي وجهت إلى سعد الدين العثماني في اقتقاده للشخصية الكاريزمية والمقدرة التواصلية التي كان يمتلكها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران واشتهر من خلالها بإبداع معجم سياسي خاص يبدأ بالتماسيح والعفاريت وينتهي بالتحكم. ومن الظاهر أن العثماني يحاول شيئا فشيئا استدراك الفجوة التي خلفها رحيل بنكيران بمحاولة استنساخ أساليبه بل ومصطلحاته ومواقفه.
وفي هذا الإطار لم يتردد رئيس الحكومة في بيت الصحافة في استحضار مفهوم التحكم الذي كان رئيس الحكومة السابق قد ملأ به فضاء التواصل السياسي خلال النصف الثاني من ولايته في إشارة إلى القوى التي تتحكم في تدبير العمل الحكومي وبعض القطاعات السيادية. وعلى غرار بنكيران كان العثماني ذكيا عندما ربط هذا المفهوم بتجربة الوزير الأول الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي الذي قاد حكومة التناوب. ومثلما كان يفعل سلفه لم يسم العثماني هذه الجهات واعتبر أن هناك دائما أطرافا "تحاول عرقلة العمل الحكومي"، مبرزا تواجد "قوى متخصصة في مثل هذه الأمور، وهدفها الأول والأخير هو نسف مجهودات الحكومة في الإصلاح".
لكن رغم محاولاته السير على خطى بنكيران لم يكن العثماني مقنعا بما يكفي في إجابته عن الأسئلة السياسية التي واجهته. فاستناده إلى ميثاق الأغلبية كدليل على تماسك تحالفه الحكومي حجة عليه لا له. فانتهاك مكونات الأغلبية للميثاق الذي وقعته في فبراير من العام الماضي لم يتوقف منذ ذلك التاريخ. هذا الميثاق الذي يقوم على خمسة مرتكزات تشمل التشاركية في العمل والنجاعة في الإنجاز والشفافية في التدبير والتضامن في المسؤولية والحوار مع الشركاء أصبح وثيقة أشبه باتفاقات السلام في الشرق الأوسط. فمنذ تعيين الحكومة الحالية اندلعت الكثير من المعارك بين الأحزاب المشكلة للحكومة كان أكبرها تلك التي عرفت تراشقا كلاميا بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار.
وشملت هذه المعارك الخلاف حول تنزيل بعض القوانين والإجراءات الحكومية واللجوء إلى تقنية "السابوطاج المتبادل" كما حصل في ملفي الفوترة الإلكترونية والقانون الإطار المنظم لقطاع التعليم. ففي يناير الماضي تفجرت أزمة بين حزب المصباح وحزب الحمامة على خلفية اتخاذ الحكومة قرارا بفرض الفوترة الإلكترونية على التجار مما أدى إلى تنظيمهم احتجاجات واسعة اتهم حزب التجمع الوطني للأحرار بالوقوف وراءها. وقبل أسابيع قليلة وضع نواب حزب العدالة والتنمية العصا في عجلة المسار التشريعي عندما عرقلوا فجأة وبدون سابق إنذار المصادقة على القانون الإطار المنظم للتعليم بسبب اعتراضهم على ما اعتبروه فرنسة للقطاع الذي يشرف عليه الوزير المحسوب على الحركة الشعبية سعيد أمزازي.
وفي وسط هذه الخلافات وغيرها انتهكت أهم مبادى ميثاق الأغلبية التي على رأسها التضامن في المسؤولية والتشاركية في العمل. ومن الواضح أن الحضور السابق لأوانه لرهان انتخابات 2021 كان من بين أهم العوامل المؤثرة في مواقف مكونات الأغلبية التي أطلقت في الأشهر القليلة الماضية حربا نفسية بحملات انتخابية سابقة لأوانها لم يتخلف فيها أي حزب من هذه الأحزاب عن ادعاء استحقاقه وقدرته على انتزاع المرتبة الأولى المخولة لرئاسة الحكومة.