الشبيبة الاستقلالية.. بين روح علال الفاسي ورياح المشهد السياسي المغربي
يوسف زركان*
تعلوا أصوات كثيرة في المغرب، منددة بأن جل الأحزاب السياسية، تحتكر من لدن المركز، الرباط والبيضاء ومحيطهما الجغرافي، وأن القرار الحزبي يخرج من هناك لا من غيره، ولكن لأن الاستثناء دائما يوجد حيث وجدت القاعدة (حتى وإن كانت غير منصفة)؛ فإن الاستثناء الاستقلالي يكمن في أنه صرح يمتد من أقصى المغرب إلى أقصاه؛ شمالا وجنوبا.
ربما قد تبدوا هذه التوطئة نشازا، في مقال يتناول شبيبة حزب الاستقلال، ولكنها كلمة حق تأبى إلا أن تغادر الحلق، حتى وإلم يترك لنا الحق صديقا.
وفي بادئ ذي بدأ، لا بد من التعريج على البيان الذي خرج به المكتب التنفيدي لآخر اجتماع، والذي كان الفيصل في تحديد تاريخ المؤتمر الـ13 للشبيبة الاستقلالية، وقد كان فيه نوع من التعاون القائم على أسس متينة؛ بين الأمين العام نزار بركة، وعضو اللجنة التنفيدية المكلف بالتنظيمات الموازية، والروابط المهنية، سيدي محمد ولد الرشيد، وقد كان مبعوث الأمين العام والمكلف بالتنظيمات وممثلا عن كافة أعضاء اللجنة التنفيدية، هو رحال المكاوي، الذي كان لحضوره مع الإخوة في المكتب التنفيدي لمنظمة الشبيبة الاستقلالية إضافة كبير، حيث كانت الكلمات المنقولة من طرف هذا الأخير للشباب الاستقلالي؛ من طرف الأمين العام والمسؤول عن التنظيمات وقع خاص على نفوس الشباب، الذين استحضروا من خلالها حياة الزعيم علال الفاسي وغيرته الكبيرة على هذا الوطن وشعبه.
لقد انتظر الإعلام المغربي وخصوصا مواقع البوز والكليشهات، المبني على الفضيحة والنفخ في أحداث عادية من أجل نقلها إلى القارئ، في صورة كأنه “صراع لا حل له بين الإخوة الأعداء”، وذلك بعد اجتماع يوم الإثنين الماضي، والذي عرف نقاش حاد بين توجهين داخل المكتب التنفيدي للشبيبة، وهو نقاش صحي لحزب وطني عرف عليه طغيان الفكر على النقاشات السياسية، رغم ارتفاع حدته، لانها وببساطة، شبيبة حزب الاستقلال، شبيبة حزب الزعيم علال الفاسي، شبيبة الوطن التي تأسست في ستينيات القرن الماضي، من أجل الوطن وقضايا شباب الوطن، التي شاءت الأقدار أن تميل بها رياح التغيير، قبل أن تعود إلى سكتها الحقيقية، وجادتها القويمة يوم الخميس الماضي، بعد استحضار روح الزعيم، والأب المؤسس؛ والتي كانت نقطة العناق بين الإخوة، هذه الشبيبة التي تعاقب عليها أجيال من الرواد، عرفت نكسة وجمود في السنوات الأخيرة ارتباطا بالوضع الذي عرفه المشهد السياسي المغربي ككل، بعد “الربيع العربي”، وهبوب رياحه على دول شمال إفريقيا، ودول الجوار، وهو نفس الأمر عرفه ضمير الأمة قبل وبعد المؤتمر الـ17 بقليل، ليبدأ مشوار الإصلاح منذ سنة 2018، والذي سيكتمل بمؤتمر الشبيبة الاستقلالية الـ13.
هذه المنظمة التي ستكون محظوظة لا محالة بإشراف شاب من خيرة شباب الحزب والوطن، شاب كلّف بمهمة أقل ما يقال عنها أنها كانت مستحيلة، قبل أن ينتهي مشروع إصلاح التنظيمات بخروج تاريخ انعقاد مؤتمر الشبيبة شهر أكتوبر القادم، شاب تشرب من تجربة عائلة سياسية بإمتياز، بعدما تتلمذ على عباقرة السياسة بالصحراء، وما أدراك مالصحراء، التي نيطت عليه تمائمها بعدما عمدته بصمودها وجه العاديات، شاب عايش حقبة عمه خليهن ولد الرشيد، قبل أن يلازمه، هرم السياسة والتبصر والتعقل بحزب الاستقلال، إن لم نقل بالمغرب ككل، وتجري في عروقه دماء مولاي حمدي ولد الرشيد، تلك العروق المحنكة بالسياسة، ستظهر في لم شمل شباب الاستقلال وقيادته نحو مستقبل جديد؛ مستقبل ينتظر فيه المغاربة شبيبة الاستقلال بكل شغف، ولطالما انتظر الجميع عكس ما وقع، ليعرف الجميع أن القيادة الصحراوية تحمل هم الوطن والحزب، على عاتقها قبل كل شي، ليقدم سيدي محمد …
ويمكنني الجزم أن ما تتناوله الصحف في معالجتها لأخبار شبيبة الاستقلال، والحنق الذي تكيله لها، راجع إلى غياب الشبيبات الحزبية الحالية، وبالخصوص شبيبات الأحزاب المشكلة للاغلبية الحكومية المريضة، والتي انعكس مرضها على شبابها ليصاب هو الآخر بعدوى الركاكة، وتكرار الأنشطة العادية التي يمكن اعتبارها أنشطة جمعوية، أكثر مما هي حزبية، تُنفر الشباب المغربي من العمل الحزبي، أكثر مما تحببه وتشجعه على الانخراط فيه، بل وتصيبه بالغثيان، فمن ذَا الذي يسكن بيتا لا روح فيه، سوى المهووس بصمت المقابر.
فهذه الأحزاب قزمت دور شبيباتها في الدوريات الرمضانية، تارة، وتارة في حلقات دروس الصحة في هذا الشهر، وأخرى في جامعات خريفية، ربيعة أو صيفية يغلب عليها طابع الاحتفالية الكرنفالية، والنشاط والتفاهة أكثر من التكوين والانخراط في المشهد السياسي الوطني؛ حتى أضحى شباب هذا الوطن يعتبرون المنخرطين في هذه التنظيمات، مجرد دمى أو كومبرسات في مشاهد من إخراج الكبار، بعدما كان يضرب ألف حساب وحساب لشبيبة الاتحاد الاشتراكي، ها هي قد تحولت اليوم إلى كائن ميت سريريا، وتنضاف إليها شبيبة العدالة والتنمية، التي اعتبرت لفترة نبراس العمل الشبابي المغربي، وصورة جيدة له، لتتحول هي الأخرى، منذ المؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية إلى مجموعة من المجموعات التابعة لعدد من التوجهات؛ لتستحيل من شبيبة حزبية إلى فصائل مشتتة نتيجة انقسام الحزب إلى مجموعات، وليؤثر مرة أخرى اختلاف الكبار على مصار الشباب، أما الحركة الشعبية والأحرار فلا مجال للحديث عن شبيباتها وأنشطتها، لأنها وببساطة لا يمكن اعتبارها شبيبات حزبية؛ مادام عارابوها أصلا يفتقدون إلى صفة قادة الأحزاب وفاعلين سياسيين حقيقيين، يحتاجون إلى دفعة سحرية، عند صعود كل منحدر.
وهنا يستحضرني سؤال وجه من أحد الصحفيين إلى وزير الشباب والرياضة، الذي ينتمي للحزب الأزرق؛ حين سأله ببساطة لما لا يتم اقتراح إسم شاب من شبابكم لرئاسة هذه الوزارة، مادامت تعنى بشؤون الشباب بالدرجة الأولى، فكان جوابه أنا شاب كبير أشرف على قضايا الشباب الصغار.
وهنا أيضا، يطرح السؤال نفسه بشدة ملتاعة، لماذا إذا كنتم تعتبرون هؤلاء صغارا، تسجنونهم بالمشاركة في هذه الأحزاب، أم أنها نار تأكل الأخضر واليابس، وتحتطبونهم وقودا لها.
ثانيا، ألا يدري صاحبنا، أن أقوى دول العالم، تتشكل حكومتها من شباب أعمارهم تقل عن الأربعين، ولعل رئيس حكومة كندا خير مثال.
إنكم تشبهون سيف الوأد الذي يطل على رؤوس الشباب، وركاكتكم هي الخنجر الذي يُطعن به عنفوان شبيبة الاستقلال.
وقد اتضح جليا، أن وقت الشباب الاستقلالي الوطني قد حان للعودة، وفرض نجاحه، ففرصُ قيادته للمشهد الوطني لا محيد عنها، خصوصا وأن الأمين العام قريب من فكر الشباب وميال إليه، والمسؤول عن الشباب دخل في تحدٍ لتغيير الصورة النمطية المكونة عن الشباب في الفعل السياسي، وهو ناجح في الأمر لحد الساعة، رغم صعوبة الأمر.
*طالب باحث