بصمات فضالية.. الحلقة الـ11 مع الكوميدي بوشعيب السفاج
الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
أربعون سنة من التمثيل والفكاهة بلا مردود مالي
تختزن المكتبة الخاصة بأرشيف الفنان الساخر بوشعيب السفاج، رصيدا فنيا ثقيلا على مستوى الكوميديا والتمثيل، وجب الكشف عن كل تفاصيله، وكل مراحله التي تمتد لعقدة عقود. من أجل التأكد من أنه لم يتم إنصاف شخصية السفاج المرحة، على المستوى الوطني، ولا على مستوى تراب عمالة المحمدية.
فقد أقبل الفنان الساخر بوشعيب السفاج ابن مدينة فضالة، على إدراك عقده السابع، دون أن يحظى باهتمام الجهات المعنية بالثقافة والفن محليا ووطنيا. ليضل غارقا في حياة يومية تعيسة. يحاول التوفيق بين حاجيتها المتعددة وبين ما يعيشه من عطالة مهنية وفنية.
نسج السفاج بين السخرية والفكاهة الهادفة بساطا حلق به لعدة عقود في سماء الفن المغربي. وتمكن من فرض أسلوبه الكوميدي وكسب فئة عريضة من المحبين والعاشقين لهمساته وغمزاته المثيرة، سواء عندما كان يشكل ثنائيا رفقة الكوميدي محمد مهيول. أو عندما اختار كل منهما سبيلا منفردا… لكنه في مراحل متقدمة من عمره.. وجد نفسه مهملا منسيا من طرف المخرجين والمنتجين على مستوى المسرح والتمثيل. ومغيبا على مستوى الإعلام المرئي. علما أن هناك من هم دون مستواه، وفتحت لهم أبواب ومسالك ليسوا أهلا لها.
معاناة مستمرة مع السكن
يكتري الفنان والكوميدي والشيخ بوشعيب السفاج منزلا ضيقا بغرفتين صغيرتين وشبه مطبخ بحي لابيطا بمدينة المحمدية. عانى لأزيد من ثلاثين سنة، من أجل تربية وتعليم أبنائه الأربعة، وتطبيبهم وتغذيتهم بما تيسر من مداخيل هزيلة ناذرا ما يحصل عليها. السفاج البالغ من العمر 67 سنة، وبعد قضائه أزيد من أربعين سنة في المسرح والكوميديا والتمثيل، خرج خاوي الوفاض، مما جعله يستمر في عمله الذي لا يسمن ولا يغني عن جوع، وفرضت عليه الحياة الأسرية ألا يتمتع بالتقاعد المريح المفروض أن يحصل عليه كل عامل أو موظف بعد تجاوزه سن الستين.
قال السفاج: تأتي علي أياما لا أجد مالا أصرفه على أسرتي، و لولى ابني (كريم وعصام) وابنتي (سلوى وأحلام)، الذين يدعمونني بين الفينة والأخرى، لوجدت نفسي عاجزا على تدبير شؤون المنزل. علما أن وضعيتهم الأجتماعية جد متوسطة، الله يرضي عليهم دنيا وآخرة.
بطاقة الفنان بلا جدوى
أضاف السفاج بألم وحسرة، أنه يقتات من الفن، ولا يمكن أن يدخر مالا، من أجل تدبير مشروع صغير يدعم به مصروف الأسرة. وأن بطاقة الفنان التي حصل عليها، لا تفيده في شيء. وتمتم في سخرية ممزوجة بالألم ( إلى المغرب راشقة ليه حنا كان نتحركوا وإلى غضبان ماكاين والوا)، في إشارة إلى أن عمل الفنان رهين بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني للبلاد. وأن أي سحابة غضب أو حزن أو ضيق تكسو فضاء البلاد، يكون الفنان أول المتأثرين بها ماديا.
جولة بأقاليم الصحراء تحت إشراف الأميرة لالة مريم
تحدث السفاج عن جولته رفقة مجموعة من الفنانين بالأقاليم الجنوبية التي دامت شهر ونصف سنتي 1991 و1995، بدعم من وزارة الثقافة، تحت إشراف الأميرة لالة مريم. حيث نظموا حفلات بمخيمات الوحدة والسمارة و بوجدور والعيون الداخلة وكذا المناطق العسكرية. وقدموا حينها عروضا مختلفة للمدنيين والعسكريين. موضحا أنهم تقاضوا تعويضات عن تلك السهرات، لكن ما أحزنه، أن هناك من استفادوا من مأذونيات، ولا التفت إليه رغم فقره وحاجته الملحة إلى الدعم. إلى ذلك أعطى الكوميدي الفضالي مثلا مغربيا على وضعه الاجتماعي، حيث قال (لي جابتوا النملة ملي كاين الشمس كتصرفو في وقت الشتا).
تضاعف المعاناة بعد مرض ابنه وتخليه عن وظيفته
أفاد بحسرة وألم أن أحد أبنائه الذي كان يعول عليه في دعم مصاريف الأسرة، وكان قد صرف عليه كثيرا من دراسته وتكوينه، لم يوفق في الحفاظ على وظيفته كموظف بسلك الدرك الملكي، بعد أن أصيب بمرض عضال، أرغمه على التخلي عن وظيفته. ومشيرا إلى أنه سبق له أن أتيحت له فرصة الفوز بمأذونية أو غيرها من الإكراميات التي حظي فنانون وفنانات كثر. حين التقى بالأميرات، كما التقى حينها وزير الداخلية الراحل إدريس البصري. لكنه التزم الصمت. وختم قوله مازحا (باقية لي غير 15 يوم ونموت، بغيت نموت بكرامة وطلبي أن أنتشل أسرتي من الفقر، وأحظى بسكن لائق).
سيرة ومسيرة السفاج
ولج المتحدث عالم الفن سنة 1963، حيث استهواه المسرح، فأبدع فيه، قبل أن يرتبط سنة 1983 بزميله محمد مهيول، ويشكلان ثنائيا كوميديا. سطا نجمهما حينها. وتمكنا من المشاركة في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والمهرجانات والسهرات، لكن عائدات تلك الأعمال كانت دون المتوسط، وكانا يقبلان بأجور هزيلة، أملا في أن ينالا مكانتيهما المستحقة داخل الجسم الفني. كما ولج عالم الطفل، وتمكن من فرض أسلوبه المسرحي والهزلي والهادف. لعب عدة أدوار في مسلسلات تلفزيونية (سير حتى تجي، عائلة سي مربوح، … الهاربان، ….)، و أنجز مع زميله مهيول سكتيش الهاربان، باستعمال الأشرطة التقليدية ( الكاسيط)، قبل أن يتم اقتباس الفكرة تلفزيونيا في مسلسل، والمناداة عليهما من أجل تجسيدها إلى جانب ممثلين آخرين (محمد الخياري، نور الدين بكر، محمد خاي…).
كما شارك وأخرج عدة مسرحيات ( الحادكة في الميزان، سيدي هدي ، خير وسلام، …)، وقبلها العشرات من المسرحيات في إطار مسرح الهواة. ويحتفظ في دولاب أرشيفه، بمسرحيات خاصة بالأطفال، أنجزها في فترة، لم يكن هناك اهتمام بمسرح الطفل، نذكر منها (عمتي الغولة، العائلة السعيدة، الذئب، الخروف)، ونال مجموعة من الجوائز الوطنية بمشاركته في عدة مهرجانات.
جديد الفنان السفاج
بالإضافة إلى الحرس الشديد للفنان السفاج على التواجد بعدة مرافق عمومية خيرية واجتماعية (خيريات، دور الأيتام، دور المسنين، سجون..)، من أجل الترفيه على نزلاءها، فإن الفنان المحبوب يعكف حاليا على إخراج عملين مسرحيين ساخرين بكل من المحمدية وتمارة.
يتعلق العمل المسرحي الأول، بمسرحية بعنوان (تاحرميات)، التي تنجزها جمعية أحدثها بالمحمدية تحمل اسم (منتدى السفاج للفن الساخر). ومن المنتظر أن يتم عرضها الأول بتاريخ عشرين يونيو بمدينة المحمدية.
أما العمل المسرحي الثاني فيعود لمسرح لبلاد بمدينة تمارة. تحمل المسرحية عنوان (الربطة الزغبية). من المنتظر أن تعرض الخميس المقبل بتمارة. كما تمت برمجة جولة لها بعدة مدن مغربية.
