تحليل إخباري: الحرب الباردة بين العدل والإحسان والدولة تلتهب
الدار/ رشيد عفيف
الحرب الباردة بين الدولة وجماعة العدل والإحسان متواصلة، وإن كانت تتخذ في بعض الأحيان أبعادا أكثر سخونة. الجماعة الإسلامية الأكثر تنظيما وقواعدا مستمرة في تنفيذ استراتيجيتها الاستنزافية من خلال اختراق وتوجيه كل الحركات الاحتجاجية في أوساط المهنيين أو الطلبة. هذا ما تجسده معركة طلبة كليات الطب التي وضعت حكومة سعد الدين العثماني في عنق الزجاجة وأحرجت وزيري التربية الوطنية والصحة وبدأت تطرح في الأفق ملامح أزمة تدبيرية حقيقية استدعت تدخلا مباشرا لوزارة الداخلية.
هذه الحرب كانت أخذت أبعادا أخرى أكثر سخونة في رمضان عندما قررت السلطات العمومية صد توجهات الجماعة من خلال التحكم في المساجد ومنع الاعتكاف فيها وهي الحكاية التي تتكرر سنويا وتحاول من خلالها الجماعة استعراض انتشارها التنظيمي بتنظيم وقفات احتجاجية عديدة في جنبات المساجد، بينما تحاول من خلالها السلطات تحفيز اليقظة الأمنية في مواجهة الجماعة المحظورة سياسيا المتساهل معه دعويا.
معركة كليات الطب تعكس معطى جديدا في سلوك السلطات العمومية تجاه تحركات الجماعة. يتعلق الأمر بالمواجهة الصريحة والمباشرة. فقد صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى في ندوة الخميس عقب المجلس الحكومي أن جماعة العدل والإحسان تستغل الأوضاع في كليات الطب، وتعمل على تعكير الأجواء بغاية أن تصل إلى عرقلة إجراء الامتحانات. وقال الخلفي "تؤكد الحكومة أن هناك جهات أخرى، وبالضبط جماعة العدل والإحسان، استغلت الوضعية من أجل تحريض الطلبة لتحقيق أهداف لا تخدم مصالحهم". من المثير في تصريحات الوزير المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي أن تغير الحكومة من خطابها وتصرح صراحة بخصومتها مع الجماعة التي لطالما واجهتها السلطات دونما حاجة إلى الإشارة إليها بالأصبع كنوع من التقليل من شأنها وتأثيرها الاجتماعي.
في مواجهة الحكومة على سبيل المثال لاحتجاجات ومسيرات الأساتذة المتعاقدين والتي استمرت على مدى شهور كان هناك تأكيد رسمي على الدور الذي تلعبه الجماعة في تأطير هذه الاحتجاجات وتنظيم مسيراتها خصوصا تلك التي كانت تشهدها العاصمة. لكن الحكومة كانت تتفادى باستمرار التصريح بذلك وتلجأ إلى تفعيل المقاربة الأمنية على الأرض دون الوقوع في فخ الاصطدام المباشر مع التنظيم الذي يحقق أغلب مكاسبه الميدانية في خطاب المظلومية مثله مثل جل التنظيمات الإسلامية. هذه المظلومية هي الفرصة التي تحاول الدولة تفويتها باستمرار على جماعة والعدل والإحسان من خلال نهج مقاربة المد والجزر. فمن جهة تلجأ الدولة أحيانا إلى اتخاذ الإجراءات الإدارية ضد كثير من أنشطة الجماعة التي تراها ممنوعة ومن جهة أخرى تتيح لها باستمرار مجال الحفاظ على وجودها ونشاطها واستمرارها كمكون من مكونات المشهد السياسي والدعوي.
ومن الظاهر أن أزمة مقاطعة طلبة الطب للامتحانات بالشكل التنظيمي الصارم الذي تمت به والنجاح الذي حققته أوحت إلى السلطات بأن المسألة تتعدى الطلبة وتنظيماتهم المحلية. وفي هذا الإطار خرج الملف من يدي الوزارتين الوصيتين ليستقر مجددا بين أيدي وزراة الداخلية. فحسب أيوب أبو بيجي، رئيس تنسيقية طلبة الطب في المغرب، فقد تواصل ممثلون عن وزارة الداخلية مع آباء وأولياء أمور طلبة كليات الطب في مدن عديدة، عن طريق الهاتف أو باستدعاءات شفوية أو رسائل، وذلك لدعوتهم لاجتماعات في مقرات مختلف الولايات. وقد تم عقد أول هذه الاحتماعات بمدينة فاس، يوم الخميس، حسب ما أكد أبو بيجي.
لكن ما الذي يفسر هذا الخروج الاحتجاجي للجماعة من خلال طلبة الطب في السياق السياسي الحالي؟ اختيار قطاع طلبة الطب ليس اعتباطيا فمن المعروف أن الجماعة تمتلك رصيدا هائلا من الأطر في قطاعات تمثل النخبة كالطب والهندسة وغيرها من مهن التميز. كما أن هذا الخروج لا ينفصل أبدا عن السياق الإقليمي الذي تستغله الجماعة باستمرار لاستعراض قدراتها التنظيمية والاحتجاجية. نتذكر في هذا الإطار كيف خرجت الجماعة من القمقم في سياق الربيع العربي في 2011 لتقود حركة 20 فبراير على مدى شهور طويلة. كما أن الذكاء السياسي لقيادات الجماعة لا يتردد في رسم معالم التميز والاختلاف عن باقي التنظيمات التي تملأ الحقل السياسي خصوصا في ظل هذا التهافت السابق لأوانه بين الأحزاب المختلفة لقطف ثمار الانتخابات التشريعية المقبلة.