اكتشاف “عملة البتكوين الأصلية” في جزيرة صغيرة بالمحيط الهادئ
قد تبدو البتكوين والبلوك تشين بمثابة مفاهيم تكنولوجية جديدة محيرة، إلا أن المبدأ الأساسي لهذه العملة المتطورة يرجع إلى زمن قديم أكثر مما نعتقد.
تصف دراسة جديدة أجراها عالم الآثار سكوت فيتزباتريك وأستاذ المالية ستيفن ماكيون من جامعة أوريغون، أوجه التشابه المذهلة بين البتكوين العملة الرقمية التي ظهرت منذ عقد من الزمن، وبين نظام المال الحجري الذي تم تطويره منذ قرون في غرب ميكرونيزيا.
إنه أمر غريب على ما يبدو، حيث إن لدى البتكوين نوعا من التماثل التاريخي الغريب مع نظام عملة قديمة استخدمت قبل مئات السنين، وأطلق عليها اسم "راي" (Rai).
كانت عملة "راي" عبارة عن أقراص حجرية عملاقة استخدمت كشكل رمزي للمال على جزيرة ياب في ميكرونيزيا، وهي مجموعة جزر صغيرة تقع على بعد نحو ثمانمئة ميل شرق الفلبين.
وتقارن الدراسة التي نشرت في مجلة الأنثروبولوجيا الاقتصادية بتاريخ السابع من يونيو/حزيران الجاري، عملة البتكوين بـ"راي" بالاعتماد على التقاليد الشفوية، والبيانات الأثرية والحسابات التاريخية.
دفتر الأستاذ المجتمعي
تحدد الدراسة أوجه التشابه بين العملتين، كما تقترح فكرة أن يكون مفهوم البتكوين مستوحى من نظام "راي" القديم ذاك. تكمن أوجه الشبه الرئيسية هذه في أن كلا من البتكوين والراي تسمحان للناس بامتلاك واستخدام الأموال دون امتلاكها فعليا، ويقوم كلا النظامين بتحقيق ذلك من خلال نظام دفتر الأستاذ المجتمعي الذي يضمن الشفافية والأمان دون مساعدة البنك المركزي.
وقد بدأ فيتزباتريك، المدير المساعد في متحف التاريخ الطبيعي والثقافي وأستاذ الأنثروبولوجيا، دراسة عملة الراي كطالب للدكتوراه، ليصبح منذ ذلك الحين خبيرا رائدا في تاريخ إنتاجها ونقلها واستخدامها.
وصرح فيتزباتريك على موقع جامعة أوريغون بتاريخ 11 يونيو/حزيران الجاري بأن الراي "واحدة من العملات الأكثر إثارة للاهتمام في العالم"، وأضاف أنها "منحوتة من محاجر الحجر الجيري الموجودة في جزر بالاو على بعد نحو 250 ميلا من ياب، وتعد من أكبر الممتلكات التي تم نقلها عبر المحيط الهادئ على الإطلاق، وذلك في الفترة السابقة لعصر التواصل الأوروبي".
يصل قُطر الراي إلى 12 قدما وتزن أطنانا، ويتم عادة وضع هذه العملات في مواقع بارزة ودائمة عند وصولها إلى ياب. حيث إنها ليست ذاك الشيء الذي نرغب في تغيير مكانه أكثر من مرة. ومع ذلك، فقد واصل سكان المنطقة تبادل الراي في مواضعها الأولية تلك، وذلك باستخدام دفتر الأستاذ الشفوي الذي تتبع قيمة العملات وأي تغييرات قد تطرأ في الملكية.
ويرى الباحثان أن سكان تلك المنطقة استخدموا الراي في المعاملات الاجتماعية الرئيسية، مثل الزواج والفدية، وتم تسجيل كل تبادل لهذه العملة في التأريخ الشفوي الذي كان بمثابة دفتر الأستاذ العام، وبهذا تمكنوا من الحفاظ على سلسلة مستمرة من المعلومات ومنع النزاعات حول الملكية.
"الراي" تقدم دروسا مستفادة للبتكوين
تعمل البتكوين بنفس الطريقة، فهي تعتمد على البلوك تشين، وهو دفتر الأستاذ الرقمي الذي يتحقق من المعاملات عبر شبكة الحاسوب، ويجعل تاريخ المعاملات متاحا لكل من يشارك في الشبكة. وكما هي الحال في أحجار الراي، تتم إدارة المعلومات المتعلقة بقيمة وملكية عملات البتكوين بشكل جماعي. وبهذا يمكن القول إن نظام الراي كان نظاما ماليا موزعا لا يشابه الأنظمة المألوفة والمركزية التي تضم مؤسسات مالية تابعة لجهات خارجية.
التاريخ يعيد نفسه في كثير من الأحيان، حيث تعتبر عملة الراي مثالا جليا عن حالة التطور الثقافي المتقارب، إذ قامت ثقافتان متميزتان من الناحية الزمنية والجغرافية بتطوير نظام مالي متشابه إلى حد كبير.
وبدوره، يرى ماك كيون أن "نظام الراي هو مقدمة مسبقة للعملة المشفرة التي نراها حاليا"، وبهذا فإنه يمكننا الكشف عن دروس مستفادة حول المخاطر المحتملة التي يمكن أن تحيط بعملة البتكوين وغيرها من العملات المشفرة، وذلك من خلال دراسة كيفية عمل النظام القديم والقضايا التي أدت إلى زواله في نهاية المطاف.