ما أهم دلالات نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى؟
الدار تحليل
وفقاً لنتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى فإن عدد السكان القانونيين للمملكة بلغ، في فاتح شتنبر من السنة الجارية، ما مجموعه 36.828.330 نسمة؛ وبذلك، عرفت ساكنة المملكة، منذ الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، زيادة تبلغ 2.980.088 نسمة، أي بزيادة 8,80 أي لمائة. وقد أشار المرجع ذاته إلى أن العدد الإجمالي للأسر التي أسفرت عنها عملية الإحصاء هو 9.275.038 أسرة. وقد سجل هذا العدد بدوره زيادة مهمة تبلغ 1.961.232 أسرة، أي بنسبة تعادل 26,82 في المائة مقارنة مع عدد الأسر الذي تم حصره في سنة 2014. ويبدو أن الملاحظة الأساسية التي استنتجها العديد من المتابعين هي أن هذا العدد لا يتطابق مع عدد السكان الفعلي.
والحقيقة أن هذا العدد دقيق إلى أبعد حدّ نظراً إلى أن عملية الإحصاء الأخيرة التي شهدتها بلادنا تعدّ أكثر عمليات الإحصاء احتراما لمعايير العمل الإحصائي وشروطه، سواء فيما يتعلق بالمنهجية المتّبعة، أو الموارد البشرية التي شاركت فيها أو التقنيات التي وُظفت لجمع البيانات والمعلومات. وبدلاً من إثارة الجدل حول مصداقية هذه المعطيات التي صدرت عن هيئة رسمية لا يمكن التشكيك أبداً في نتائجها، من الأفضل أن نركز على دلالات هذا الرقم واستخلاص بعض الدروس المهمة منه. في الحقيقة تتيح لنا البيانات التفصيلية وفقا للجهات والفئات العمرية والجنس الكثير من الأرقام الدالة، لكننا نؤكد أن أهم خلاصة يمكن التوقف عندها هي أن العدد الإجمالي لسكان المغرب، يعكس قدرة بلادنا على التحكم في نموها الديمغرافي.
لم تتجاوز نسبة الزيادة في عدد السكان 9 في المائة على مدار 10 سنوات، وهذه النسبة تؤكد أن برامج تنظيم النسل والتربية الأسرية التي نهجتها بلادنا على مدار عقود طويلة آتت أكلها، وحققت أهدافها الرئيسية المتمثلة في وقف النمو الديمغرافي المهول بمتوالية هندسية، من خلال تضاعف عدد سكان المغرب كل ربع قرن، أي بوتيرة النمو التي كانت مسجلة بعد الاستقلال. هذا ما حدث على سبيل المثال في دول أخرى عربية وإفريقية مثل مصر أو نيجيريا، وأدى إلى انفجار ديمغرافي هائل، يستنزف موارد البلاد ويشل قدراتها على تلبية احتياجات السكان الأساسية، وتوفير الموارد الكافية لتعليمهم وصحتهم ورفاهيتهم. هناك بلدان عديدة في العالم تمكنت من تحقيق التحكم في نموها الديمغرافي وعلى رأسها الدول الأوربية، وهي مسألة مفيدة جدا لبرامج التنمية الهادفة إلى سد الخصاص ولا سيّما في المجالات الاجتماعية.
ولكن من الضروري أن ننتبه هنا إلى أن التحكم في وتيرة النمو الديمغرافي، يجب أن يواكبه مجهود تنموي ونمو اقتصادي يحقق هذه الغاية المنشودة. إذا أردنا أن نحلّ بعض المعضلات الاجتماعية التي عمّرت طويلا، لا يكفي أن ننظم عملية النمو الديمغرافي بل علينا أيضا أن نستغل هذه الوتيرة الضعيفة في تزايد السكان لسد الفوارق والفجوات القائمة في أنظمة الرعاية الصحية والتشغيل وتوفير الفرص. في المقابل هناك وجه آخر لهذه النتيجة الإيجابية المحققة على مستوى التحكم في عدد السكان. إنها المشكلة نفسها التي تعانيها اليوم العديد من الدول الأوربية، وهي معضلة الشيخوخة. فعلى ما يبدو يتجه هرم السكان إلى تسجيل اتساع أكبر في مستوى الفئات العمرية الأكبر سنا، بينما تتراجع نسبة الفئات الأصغر، أو الفئات النشيطة القادرة على العمل والعطاء.
وهذا يعني أن المطلوب مستقبلا هو التفكير في تجنّب هذه المفارقة التي تطرح على بلادنا تحديات كبيرة. من جهة نريد أن نحافظ على هذه الوتيرة المتوسطة للنمو الديمغرافي من أجل توفير احتياجات الأجيال القادمة، لكن من جهة أخرى، نحن مقبلون في بلادنا على مرحلة من النمو الاقتصادي الكبير الذي سيحتاج إلى المزيد من الفئات النشيطة والأيادي العاملة المؤهلة، ولا سيّما من الشباب القادرين على التجاوب مع هذه التوقعات المستقبلية الإيجابية. ولعلّنا نعيش في الوقت الحالي أحد مظاهر هذه المعضلة المحتملة، والذي يتجلى في أزمة صناديق التقاعد، التي تعاني باستمرار تراجعا في المداخيل بسبب ارتفاع أعداد المتقاعدين، وتراجع أعداد الموظفين الذين يسهمون في توفير السيولة المالية الكافية. ومن ثمّ فإن العمل المنتظر من الحكومة الحالية والتي تعقبها لاحقاً يجب أن ينكب أولاً وقبل كل شيء على وضع مخططات واضحة للعقدين المقبلين، من أجل تحديد الاحتياجات الدقيقة، والموارد الكافية، وعلاج هذه الاختلالات التي يمكن أن تضع بلادنا مرة أخرى في منعطف ديمغرافي نحن في غنىً عنه.