المواطن

ماذا لو طبقت الطريقة السنغافورية في تدريس الرياضيات بالمغرب؟

قال لحسن أيت وعبو الباحث في الشأن التربوي إن تحسين تعليم وتعلم الرياضيات في المغرب يستدعي وقفة تأملية وفرقا لليقظة المستديمة للبحث والتقصي حول تاريخ الرياضيات والرياضيات في حياتنا وثقافتنا وكذا إعادة دراسة إرث الإبداع والتفكير المغربي في المجالات المرتبطة بالرياضيات.
وأكد المفتش التربوي صاحب بحث أكاديمي حديث يبرز أهمية الطريقة السنغافورية في تدريس الرياضيات، أن  السياسية التربوية في مجال تعلم الرياضيات، من حيث استهدافها الابتكار والابداع اللذان تتناسبان والسياسة الاقتصادية المبنية على التصنيع و الابتكار والتكنولوجي، تبقى عائقا أمام السعي إلى إكساب المتعلمين كفايات تؤهلهم للفعل الإيجابي في عالم الغد المتسارع .

وأوضح أيت وعبو، في هذا الحوار  ل "الدار" أن سنغافورة تمكنت بفضل هذا التناول البيداغوجي من تصدر الترتيب العالمي في مختلف التقويمات الدولية حيث مرت ما بين 1983 و2015 من الرتبة 15 إلى الرتبة الأولى لتتصدر قائمة الدول المشاركة وتصدر تجربتها للعديد من الدول التي سئمت من خنق شغف الأطفال إلى التعلم بتعلمات مملة بعيدة عن حياتهم اليومية.

حاوره: نبارك أمرو 

1- اشتغلت في بحثك الأخير على أهمية الطريقة السنغافورية في تدريس الرياضيات، أين تتجلى هذه الأهمية؟
تتجلى أهمية التربية على الرياضيات وفق الطريقة السنغافورية في كونها تيسر تملك المفاهيم والكفايات 
الرياضياتية الضرورية للحياة اليومية وفي التركيز على تنمية مهارات الاستدلال وحل المشكلات الرياضيات وتعرف واستعمال الروابط بين الأفكار الرياضياتية ومع المواد الأخرى. كما أن قوتها وتميزها يتجليان في استهداف التواصل بلغة رياضياتية تنمي الاستقلالية والشعور بجمالية ومتعة وقوة الرياضيات كتقليد فكري إنساني لا يتوقف عن الإبهار يوما بعد يوم. 

هذا التصور يعتمد نموذجا بيداغوجيا واضحا في بناء التعلمات يجاوز الفهم الأولي البسيط إلى فهم عميق يبدأ بالتعود على المفهوم ثم تنمية الفهم العام فإدراك للإنتظامات والروابط داخل المفهوم من جهة، ويجعل حل المشكلات في مركز برنامج الرياضيات. اذ يعد هدفا أساسيا لتعلم الرياضيات، ويعد جزءا مدمجا في كل نشاط رياضياتي. 
فحل المشكلات أو المسائل ليس موضوعا مستقلا، بل طريقة من الواجب ان يتشرب بها مجموع البرنامج وتوفر السياق الذي يسمح بتعلم المفاهيم والكفايات من جهة أخرى. وهذا ما ينسجم مع توجيهات المجلس القومي الأمريكي لمعلمي الرياضيات (NCTM1988. P 23).

 وتتجلى قوة البرنامج السنغافوري في كونه جاء نتيجة ثمرة من الجهود والبحوث المتواصلة لسنوات عديدة لمراكز أنشئت لهذا الغرض، كما أنه يخرج عن منطق الإصلاح المميز لأغلب المنظومات بل يستهدف أساسا تدريب المتعلمات والمتعلمين وإكسابهم مهارات وكفايات للاستجابة لمتطلبات القرن 21. 
ولتحقيق أهداف البرنامج، تم تبني طريقة النمذجة (المرور بسلاسة من المحسوس إلى المصور فالمجرد) عبر تبني نموذج الأشرطة مما يتيح للمتعلمين مطاوعة المفاهيم وإدراك العلاقات بيسر والإحساس بمتعة الرياضيات واتخاد مواقف.

2- ما هي المستويات التي يمكن من خلالها اللجوء إلى هذه الطريقة وهل يمكن بينها وبين مقاربات بيداغوجية أخرى؟
إن النموذج السنغافوري في تعليم وتعلم الرياضيات ليس مقاربة جاهزة لعملية التعليم والتعلم بل هو تصور متكامل تمت تبنيه عبر سنوات نتيجة للبحث العميق لخلايا متخصصة مستلهمة من مختلف نجاحات الحقل التربوي، ويتبنى نموذجا واضحا في بناء المفاهيم وسيدمج جميع البيداغوجيات كما يعتمد التدريس بالكفايات كأحد مداخل إطاره الخماسي المتمركز على حل المشكلات إلى جانب المفاهيم والسيرورات والميتامعرفية والمواقف. هذا التناول الإكليكتيكي والذي يجعل الأولوية في تعلم الرياضيات من خلال تعلم "لماذ؟ وليس "كيف؟" عبر تكوينات متينة تخرج وتؤهل مدرسين مبدعين متمكنين من اليات التنمية المهنية المستديمة، قابلين لرفع تحدي تجويد تعلمات الرياضيات ومستعدين للانغماس في معارف الرياضيات لضبط وتأطير كلما يدور حول المفاهيم والمعارف المدرسة وإدراك كل العلاقات والروابط بينها ومع المواد الأخرى. 
كم أن الممارسة المهنية وفق هذا النموذج يفرض على المدرسين أولياء التلاميذ عدم الاستهانة بقدرات الأطفال وتجاوز كثرة التبسيط حد الابتذال بل حثهم على تنمية التفكير وإعمال الاستدلال والاستكشاف. 
وتجدر الإشارة إلى أن سنغافورة تمكنت بفضل هذا التناول البيداغوجي من تصدر الترتيب العالمي في مختلف التقويمات الدولية حيث مرت ما بين 1983 و2015 من الرتبة 15 إلى الرتبة الأولى لتتصدر قائمة الدول المشاركة وتصدر تجربتها للعديد من الدول التي سئمت من خنق شغف الأطفال إلى التعلم بتعلمات مملة بعيدة عن حياتهم اليومية.

3- ألا ترى أن اعتماد هذه المقاربة سيعيدنا لنقاش إكراهات التمويل وكمفتش تربوي، كيف تنظر إلى شق تكوين المدرس المغربي في الرياضيات؟

كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فالطريقة السنغافورية تتطلب معينات ديداكتيكية وعدة متكاملة تنسجم والمفاهيم الرياضية من حيث خصائصها ويبقى اعتمادها في منظومة تربوية رهين بتوفير التمويل الكافي والكفيل بتوفير الظروف والوسائل المساعدة للمتعلم لبناء تعلماتها عبر سيرورة الملموس-المصور- المجرد. كما أن العدد الهائل من المدارس الإبتدائية والمدرسين يفرض استثمارا ضخما إذا ما تقرر تأهيل عدة الرياضيات وإجراء تكوينات رزينة وعميقة. 
 وبخصوص الإصلاح المرتقب بخصوص التكوين الأساس لمدرسات و مدرسي الغد و الذي تمت مباشرته بإحداث مسالك جامعية في التربية، لا شك أنه يندرج في الإطار الصحيح القمين بتأهيل الموارد البشرية شريطة مباشرة تأهيل فوري للمكونين و الأساتذة المختصين تنقيح وتحيين معارفهم وكفاياتهم بخصوص ديداكتيك الرياضيات، لكن تبقى السياسية التربوية في مجال تعلم الرياضيات  من حيث استهدافها الابتكار و الابداع اللذان تتناسبان و السياسة الاقتصادية المبنية على التصنيع و الابتكار و التكنولوجيا عائقا امام السعي إلى إكساب المتعلمين كفايات تؤهلهم للفعل الإيجابي في عالم الغد المتسارع .
ويستدعي تحسين تعليم وتعلم الرياضيات في المغرب وقفة تأملية وفرقا لليقظة المستديمة للبحث والتقصي حول تاريخ الرياضيات والرياضيات في حياتنا وثقافتنا وكذا إعادة دراسة إرث الإبداع والتفكير المغربي في المجالات المرتبطة بالرياضيات (ابن البناء المراكشي القرن 13 مثلا). 
كما أن التعبيرات اللغوية المستعملة في بناء وترويج المفاهيم كثيرا ما تعوق الإدراك الحقيقي لها ولا يساعد على تجاوز الطابع التجريدي لها.  في انتظار نموذج متوجه نحو الصناعة والتكنولوجيا والتفكير الإبداعي، يمكن أن نستلهم من التجارب الدولية الناجحة بعض التوجيهات الكفيلة بتحسين الممارسات داخل الفصول الدراسية والمواقف تجاه الدرس الرياضياتي شريطة تعبئة الجميع والتوجه الحقيقي نحو الإصلاح.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى