فن وثقافة

في ذكرى ميلادها.. قصص وحكايات وراء أغاني وردة الجزائرية

في مثل هذا اليوم، وتحديدا قبل ثمانين عاما، ولدت الفنانة وردة الجزائرية من أب جزائري وأم لبنانية، ومع الوقت ظهرت موهبتها في الغناء، الذي مارسته أولا في فرنسا، حيث اعتادت الشدو بأغنيات نجوم ذاك الوقت كأم كلثوم وأسمهان وعبد الحليم حافظ، قبل أن تتجه إلى لبنان مع والدتها لتقدم أغنياتها الخاصة.

إلا أن انطلاقتها الحقيقية كانت في مصر عام 1960، بعد أن رشحها المخرج حلمي رفلة لبطولة فيلم "ألمظ وعبده الحامولي"، لكنها سرعان ما اعتزلت إثر زواجها من جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري، لكن يبدو أن عشقها للفن كان أقوى، لتعود بعد فترة لاستكمال مشوارها الفني، الذي قدمت خلاله أغنيات ما زالت حية حتى الآن.

ولأن الأغنيات لا تقل خيالا أو إلهاما عن قصص الروايات والأفلام، فإن هذا التقرير سيستعرض مجموعة من أشهر أغنياتها والحكايات الكامنة وراءها.

"وطني حبيبي الوطن الأكبر".. مواجهة الاستعمار بالأغاني
في عام 1960، وبالتزامن مع وضع حجر الأساس لبناء السد العالي (أحد أضخم الأحداث المصرية وقتها)، اشترك الشاعر أحمد شفيق كامل بكلماته، والموسيقار محمد عبد الوهاب بألحانه؛ لإنتاج أوبريت أشعل فتيل الوطنية والعروبة في قلوب الملايين.

هكذا ولد أوبريت "وطني حبيبي الوطن الأكبر"، الذي شارك في غنائه أهم أصوات الوطن العربي، بداية من عبد الحليم حافظ، مرورا بشادية ونجاة وصباح وغيرهم.
ومع أن وردة كانت لا تزال في بداياتها، فإن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى أمرا بإضافة مقطع لها، خاصة أن الثورة الجزائرية كانت في أوجها، وصرحت وردة بأن والدها ظل غير معترف بها كمطربة إلى أن شاركت في الأوبريت. 

"العيون السود".. بليغ ووردة وقصة حب لا تموت
بدأت قصة حب وردة وبليغ حمدي قبل أن يلتقيا، إذ انطلقت شرارتها الأولى ووردة ما زالت مراهقة في 16 من عمرها تشاهد فيلم "الوسادة الخالية" بإحدى سينمات فرنسا، وما أن استمعت لأغنية "تخونوه" حتى انبهرت باللحن، وقررت لقاء ملحنها يوما ما، ولم تكن تعرف أن هذا الرجل سيكون حب حياتها.

مرت علاقة بليغ ووردة بعدة محطات قبل أن تتوج بالزواج، وإن كان أولها مهنيا باللقاء الذي جمعهما لحفظ لحن أغنية "يا نخلتين في العلالي" من فيلم "ألمظ وعبده الحامولي"؛ ويومها وقع بليغ في حبها من أول نظرة، وقرر خطبتها، إلا أن رفض والدها حال بينهما، لتفارق بينهما السنوات والمكان، خاصة مع زواج وردة وإنجابها طفليها، بل واعتزالها لفترة. 

قبل أن يطلب منها الرئيس الجزائري الغناء في عيد الاستقلال العاشر للجزائر في 1972، فتلتقي بليغ من جديد، الذي سألها العودة إلى مصر والفن. وبمجرد أن أسمعها مقدمة أغنية "العيون السود" حتى دمعت عيناها وأخبرته أنها ستعود للغناء إذا أكمل هذه الأغنية، فما كان من بليغ سوى أن طلب من الشاعر محمد حمزة -وفقا لرواية الأخير- إكمال الكتابة، على أن يستكمل هو التلحين.

تلا ذلك انفصال وردة عن زوجها وعودتها بالفعل إلى القاهرة، لتكلل أخيرا علاقة وردة وبليغ بالزواج، ويبدآن معا رحلة غنائية مدهشة امتدت على مدار ست سنوات، وأسفرت عن أغنيات خالدة منها: "العيون السود"، و"حكايتي مع الزمان"، و"خليك هنا"، و"اسمعوني"، وغيرها.

"أوقاتي بتحلو".. اختارتها أم كلثوم وغنتها وردة

نجاح سيد مكاوي وأم كلثوم معا في أغنية "يا مسهرني" حمّسهما لتكرار التجربة على أمل تحقيق النجاح ذاته، ليقع اختيار الست على أغنية "أوقاتي بتحلو" التي وقعت في غرامها، حتى أنها قررت تقديمها للجمهور عام 1975، رغم ما تعانيه من تعب وآلام جسمانية شديدة.

هكذا تحدت كوكب الشرق مرضها، وأدت أفضل ما لديها في البروفات لتشدو بالأغنية في حفلتها المقبلة، إلا أن الموت كان أسرع ولم تقدمها؛ ليشاء القدر أن تذهب الغنوة إلى وردة بناء على طلبها وإصرارها رغم تحذير مكاوي لها، واصفا الأغنية بكونها ذات فأل سيئ، لتغنيها بالفعل عام 1979 فتصبح أحد أنجح أعمالها، بل وتحقق خلالها نقلة نوعية في مشوارها، سواء على مستوى الكلمات أو الألحان.  

"بودعك".. نهاية زواج وليست نهاية حب
رغم كل ما مرت به قصة الحب الأيقونية بين بليغ ووردة، ومع كل الحب الذي ظلا يكنانه لبعضهما حتى الموت، فإنهما سرعان ما انفصلا، وهو ما أرجعته وردة للغيرة وطبيعة الحياة "البوهيمية" التي كان يعيشها بليغ، عكسها هي التي اعتادت الاستقرار؛ لينتهي زواجهما رسميا عام 1979، مؤكدين للجميع أن الحب والزواج شيئان منفصلان، وأن عدم القدرة على الاستمرار سويا لا يعني انتهاء مشاعر كل منهما للآخر.

وفي حين قررت وردة البقاء ومواجهة الحياة دون الحبيب، لم يستطع بليغ أن يجاريها، فاختار كما يليق بروح هائمة الرحيل والهروب بعيدا إلى طرقات أوروبا، ليعتزل العالم والحياة، خاصة بعد توجيه اتهامات له إثر انتحار "سميرة مليان" داخل شقته، مما منعه من العودة إلى مصر حتى إثبات براءته.

وهناك ألهمه الواقع المرير كتابة مقدمة آخر أغنية تعاون فيها مع وردة، في حين أكمل كلماتها الشاعر الغنائي منصور الشادي، وهي أغنية "بودعك" التي وضع فيها كل أوجاع الفراق ومرارات الحياة دون الشريكة والسكن. وبالطبع لم يكن هناك أفضل من بطلة القصة نفسها لتغنيها، وهو ما فعلته وردة، رغم إدراكها أن الأغنية عتاب مستتر من بليغ لن يلبث أن ينكأ جروحها التي تأبى أن تندمل.

المصدر / وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى