أخبار الدارسلايدر

من صنع ثورة الملك والشعب لن ينكسر أمام الأزمات

لم يكن التحدي يوما خيارا أمام المغاربة، بل كان قدرهم ومصدر فخرهم . ففي كل محطات التاريخ، أبانوا عن قدرة هائلة على الصمود، و عن عزيمة لا تلين ، وعن إرادة تصنع المستحيل رغم المحن. وها نحن اليوم ، رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مست البلاد وهي جزء لا يتحزأ من أزمة عالمية خانقة ، أسبابها معروفة ولا داعي لتكرار ذكرها ، ورغم عجز الأداء الحكومي عن إيجاد حلول ناجعة ، يظل الشعب المغربي وفيا لروحه المقاومة ولتمسكه الدائم بتوابته، يبحث عن الحلول حين تعجز السياسات ، ويبتكر البدائل حين تخفق الحكومات.
إنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها المغاربة واقعا مأزوما، فقد إعتادوا منذ الأزل أن يكونوا صناع الحلول بدل أن يكونوا ضحايا للظروف . صحيح أن الأوضاع الاقتصادية بلغت درجة من التعقيد لم يعد بالإمكان تجاهلها ، حيث تراجعت القدرة الشرائية أمام ارتفاع الأسعار المهول ، وازدادت البطالة في صفوف الشباب ، في وقت عجزت الحكومة عن تقديم بدائل حقيقية تعيد التوازن للسوق . ومع ذلك، لم يفقد المغاربة حسهم الإبتكاري، فبإرادة صلبة إستطاعوا تحويل الأزمات إلى فرص ، فإنتعشت المقاولات الذاتية، وإزدهرت التجارة الإلكترونية، وأظهر الشباب قدرة إستثنائية على التأقلم مع الواقع الجديد، بحثا عن مورد رزق لا تمنحه الدولة، ولكن تصنعه الإرادة الفردية .

ورغم أن الاقتصاد هو العمود الفقري لأي مجتمع، إلا أن الأزمة لم تقف عنده، بل امتدت لتطال نسيجا اجتماعيا متآكلا بفعل سياسات لم تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية. فالفوارق الطبقية في اتساع مستمر، والتعليم والصحة في حالة يرثى لها، والعشوائية في التدبير أصبحت عنوانا بارزا للمرحلة . لكن وسط هذا المشهد القاتم ، يظل المغاربة متمسكين بقيم التضامن والتكافل ، فأنبعتث المبادرات الخيرية في القرى النائية، وأطلقت المشاريع الشبابية لمساعدة الفئات الهشة ، وأصر المواطن البسيط على أن يكون جزءا من الحل رغم أن الحلول ليست في يده .
المفارقة أن الحكومة، رغم شعاراتها الرنانة، لم تستطع ترجمة وعودها إلى واقع ملموس، وظلت تدور في فلك التبريرات دون أن تضع إستراتيجيات ناجعة لتجاوز الأزمات. المواطن المغربي، الذي كان يعلق آماله على تغيير جذري، وجد نفسه أمام نفس الإخفاقات، لكنه لم يسمح لليأس بأن يتسلل إليه. فبين كل أزمة وأخرى، يولد وعي جديد، ويظهر جيل أكثر إدراكا لضرورة التغيير ، وأكثر إيمانًا بأن الخلاص لن يأتي من أعلى ، بل من عمق المجتمع ذاته.

ختاما ، قد تخذل السياسات الحكومات، وقد تخذل الحكومات شعوبها ، لكن المغاربة لا يخونون مبدأهم الأزلي ، فلا إنكسار ولا إستسلام ،وكيف لا وهم صناع ثورة الملك و الشعب. ففي كل أزمة، يثبت الشعب المغربي أنه ليس مجرد متلق للأحداث، بل هو صانع لها، وأنه مهما ضاقت به السبل، سيجد دائما طريقا نحو النور. المغرب اليوم يعيش مخاضا صعبا ، لكنه كما فعل دائما، سينهض من جديد، لأن سر قوته ليس في موارده أو سياساته، بل في شعبه الذي لا يقبل الهزيمة .

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان

زر الذهاب إلى الأعلى