السودان.. “زواج الاضطرار” بين العسكر وقوى التغيير
تأجل توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين للمرة الخامسة، لأن هوة الخلاف بين الطرفين -المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير- عميقة لأسباب، بينها أن المجلس العسكري يطالب بحصانة من المحاسبة في جريمة قتل المتظاهرين، ذلك بحسب ما تعلنه قوى الحرية والتغيير التي تُتهم لدى بعض مؤيديها بالمماطلة ريثما تتمكن من كسب الحركات التي تحمل السلاح إلى صفها.
وكانت قوى الحرية التغيير قد انخرطت في محادثات بأديس أبابا مع حملة السلاح في دارفور والمنطقتين -النيل الأزرق وجنوب كردفان- بغرض ضم تلك الحركات لهياكل النظام الجديد الذي يفترض أن تقوم عليه الفترة الانتقالية.
ورغم المصاعب التي تعترض سبيل الاتفاق فإن كلا الطرفين يحتاج الآخر، ويقول مصدر قريب من طاولة الحوار إن السودان لن يحكم في مرحلة الانتقال إلا من خلال ذلك الاتفاق الثنائي بين العسكر والمدنيين.
ويقول المصدر للجزيرة نت إن من بين أسباب تأجيل التوقيع "رغبة كل طرف في الإفادة من نقاط ضعف غريمه".
ويعدد المصدر نقاط ضعف قوى الحرية والتغيير في أن تباطؤها عن التوصل لاتفاق مع المجلس العسكري قد يجعل الحركات المسلحة بديلا لها، كما أن انضمام الحركات المسلحة لقوى التغيير سيكون مكلفا، لأن مشاركتها ستكون على حساب ما حققته قوى التغيير من مكاسب.
ومن جانب المجلس العسكري -يقول المصدر- إن قادة المجلس يطمحون في توقيع الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير أملا في الحصول على شرعية إقليمية ودولية تعينهم على التحرك باتجاه إيجاد مخرج من قضية قتل المعتصمين في ميدان قيادة الجيش.
لهذه النقاط وغيرها ربما يتأجل توقيع الاتفاق إن لم يتطاول أمد التفاوض بين الطرفين "بعد أن وصلا إلى جوهر الأزمة، حيث لا أحد بوسعه تقديم ضمانات للإفلات من العقاب"، ولذلك قد ترواح الأزمة مكانها من وجهة نظر الدكتور مهدي إسماعيل مهدي "طالما أن اللعب أصبح على المكشوف، وبعد إعلان قوى الحرية والتغيير أنها لا تملك حق التنازل عن دماء الشهداء، وأن أي كيان سياسي يفعل ذلك سوف يحترق".
وفي ظل هذا التضاد يتوقع "دخول طرف ثالث يخلط الأوراق"، في إشارة إلى إمكانية حدوث انقلاب عسكري أو تقارب للمجلس العسكري مع الحركات المسلحة على حساب قوى التغيير، أو وربما جاء المخرج للأزمة بـ"حدوث خلاف داخل المجلس العسكري بين الدعم السريع والجيش".
وفي كل الأحوال، يفهم مهدي مطالبة المجلس العسكري بالحصانة على أنها "إقرار صريح بالذنب"، في حين يقول القيادي الاتحادي دكتور فقيري حمد محمد أحمد إن "تردد قوى الحرية والتغيير عن مهر الاتفاق ليس لهذا السبب، لأن العسكريين يعلمون أن قوى التغيير لا تملك إسباغ الحصانة عليهم".
ويضيف أن "الحصانة لا تتحقق إلا من خلال منظومة عدالة انتقالية يتفق عليها شعب السودان".
ويعيب حمد على قوى التغيير أنها "خلقت معركة في غير معترك في ما يتعلق بتشكيل المجلس السيادي، وأطالت فترة الفراغ الدستوري حتى كاد أن يفضي إلى فوضى شاملة".
ويتهم بعض مكونات قوى الحرية والتغيير بأنها تستهدف "تصفية القوات المسلحة بحجه أنها جيش الإسلاميين"، ويقول إن هذا ما لا توافق عليه القوى الدولية التي تساند قوى الحرية والتغيير، إذ هي لا تقبل بـ"طرد الجيش من المشهد السياسي"، على حد تعبيره.
ويقول عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي كمال كرار إن الاتفاق رفضوا توقيعه لأنه "لا يحقق مدنية الدولة، بل يكرس لعسكرتها، ويعيد إنتاج النظام البائد، ويمنح أعضاء المجلس العسكري حصانة مطلقة من المحاسبة".
وشدد كرار على أن "لا ضمانة تمنح لأي جهة متورطة في مجزرة 3 يونيو وجرائم القتل الأخرى، وليس لقوى الحرية والتغيير الحق في التنازل عن مطلب الشعب".
وإن كان العسكر بريئين من تلك المذابح فإن "عليهم الاستعداد للوقوف أمام المحاكم لإثبات براءتهم، لأن أولى سمات الدولة المدنية المساواة أمام القانون".
وما لم يتم تعديل الاتفاق فإنهم -والقول لكرار- يعارضونه لأنه اتفاق لا يعبر عن أهداف الثورة السودانية، بل "يقنن لوجود مليشيات الدعم السريع، كما أنه يبقي على الاتفاقات والتفاهمات العسكرية بين السودان والدول الأجنبية"، في إشارة إلى رفض مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن.
والعلاقة بين قوى الحرية والتغيير وقيادة المجلس العسكري أشبه بـ"زواج الاضطرار"، وهذا ما يجعل الطرفين "يتوقفان عند كل كلمة ونقطة وفاصلة خوفا أن يكون فيها لغم ينفجر بعد الاتفاق".
حيث أن المجلس العسكري باعتباره سلطة الأمر الواقع "يمكن أن يقوم بخطوات لكسب الثقة لكنه لا يفعل، بل يقوم بإجراءات ومواقف تقوض ما تبقى من ثقة".
ويضيف أن قوى الحرية والتغيير تعلم جيدا أهمية ثقلها الجماهيري، وتعلم كذلك أن استمرار الحراك الجماهيري وتنظيمه بشكل فعال هما مركز القوة الوحيدة التي تملكه، وليس أمام قوى التغيير أي فرصة لتقديم تنازلات "لأنها محكومة بحد أدنى عبرت عنه الجماهير في هتافاتها وفي شعاراتها".
إن قوى التغيير قد بذلت الكثير بمجرد قبولها التفاوض بعد فض الاعتصام، لذا "يجب أن يعد المجلس العسكري نفسه لحملة ضغط كبيرة جدا في مقبل الأيام".