أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

المغرب وتعزيز دوره الإستراتيجي في الساحل

المغرب وتعزيز دوره الإستراتيجي في الساحل

تشهد منطقة الساحل الإفريقي تصاعدا متزايدا في نشاط التنظيمات الإرهابية، مما جعلها بؤرة توتر إقليمي تهدد الأمن والاستقرار في القارة. وفي هذا السياق، يتجه المغرب بخطوات مدروسة نحو تعزيز قدراته العسكرية والأمنية، بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا، عبر مشروع استراتيجي يتمثل في إنشاء مطار عسكري بأقصى جنوب الصحراء المغربية. هذه الخطوة الطموحة تأتي ضمن رؤية المملكة لتعزيز دورها المحوري في مواجهة الإرهاب، وترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في استقرار المنطقة.

ويهدف المشروع إلى تمكين الطائرات المسيرة والمقاتلات الحربية من تنفيذ عمليات دقيقة ضد معاقل الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها “داعش في الصحراء الكبرى” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”. هاتان الجماعتان تستفيدان من هشاشة الوضع الأمني في دول الساحل مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ما يجعل الحاجة إلى عمليات عسكرية استباقية أمرا ضروريا للحفاظ على أمن المنطقة. ومن المتوقع أن تنفذ هذه العمليات بتنسيق وثيق مع سلطات الدول المعنية، وهو تأكيد جديد على التزام المغرب بالتعاون الأمني الإقليمي والدولي، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة.
إلى جانب هذا المشروع، كشفت تقارير إعلامية عن خطط لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في الصحراء المغربية، وتحديدا في مدينة الداخلة، التي تتمتع بموقع إستراتيجي متميز على المحيط الأطلسي.
ميناء الداخلة الأطلسي ، الذي يعد بوابة العبور نحو إفريقيا جنوب الصحراء، سيمنح القاعدة العسكرية أهمية استراتيجية، إذ يوفر نقطة انطلاق رئيسية للقوات الأمريكية نحو القارة الإفريقية، ويعزز الشراكة الدفاعية بين الرباط وواشنطن. هذه الخطوات تترجم بوضوح التحول المتزايد في علاقات المغرب العسكرية مع القوى الكبرى، والتي تعكس بدورها المكانة التي باتت المملكة تحتلها في المشهد الجيوسياسي للمنطقة.

في خضم هذه التحولات، وكما سبق أن أشرنا في احد المقالات حول عملية الأسد الإفريقي نشر في مارس من ستة 2021 ، إحتمال نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) من ألمانيا إلى القارة الإفريقية، حيث يطرح المغرب كوجهة محتملة لهذا الانتقال.
وللذكير ففي مارس 2023، برزت دعوة السيناتور الأمريكي دان سوليفان لنقل المقر إلى المغرب، مستندا إلى إستقراره السياسي وموقعه الإستراتيجي كبوابة لأفريقيا. كما أشار تقرير صادر عن “معهد شيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية” في مايو 2024 إلى إمكانية نقل بعض أصول وعناصر أفريكوم إلى المغرب، في إطار تعزيز العلاقات الدفاعية بين الرباط وواشنطن.
ورغم هذه المؤشرات، لم تصدر حتى الآن أي قرارات رسمية تؤكد هذا الانتقال، ما يجعل المسألة في نطاق التكهنات والنقاشات الإستراتيجية أكثر منها خطوة وشيكة التنفيذ، غير أن إنشاء المطار العسكري في جنوب الصحراء، إلى جانب القاعدة الأمريكية المحتملة، يعكس بجلاء تطور البنية التحتية العسكرية للمغرب خاصة بعد تسلم المغرب لمروحيات الأباتشي AH-64E ، مما يضعه في قلب الترتيبات الأمنية الدولية الخاصة بالساحل.

ختاما ، إن هذه التحركات لا تشكل فقط إستجابة فورية للتهديدات الإرهابية، بل تبرز أيضا رؤية المغرب لتعزيز أمنه القومي والإقليمي، وتوطيد تحالفاته مع القوى الكبرى، وتحقيق حضور أقوى في الملفات الأمنية التي ترسم مستقبل المنطقة. وبينما تستمر التطورات، يبقى المغرب في موقع إستراتيجي يسمح له بلعب دور رئيسي في إعادة تشكيل الخارطة الأمنية لمنطقة الساحل ، ضمن مقاربة شاملة تقوم على التعاون العسكري والدبلوماسي لمواجهة التحديات الراهنة وعلى رأسها الإرهاب.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية.
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى