
بقلم ياسين المصلوحي
نزل خبر وفاة أستاذة اللغة الفرنسية بأحد معاهد التكوين المهني بأرفود كالصاعقة على الأوساط التعليمية، كما باقي فعاليات المجتمع المدني والرأي العام الوطني، التي فارقت الحياة متأثرة بضربة كان قد وجهها إليها أحد طلبتها في المؤسسة التي تشتغل بها، أواخر شهر رمضان المنصرم، بعدما رقدت في قسم العناية المركزة منذ تلك الفترة.
هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان حالات اعتداء عديدة كان ضحيتها الأساتذة والأطر التعليمية على يد تلاميذهم، المفروض فيهم توقير واحترام هذه العينة الجليلة من المجتمع وإنزالها منزلة الاباء. إلا أن العكس هو الذي أصبحنا نعاينه، ما يجعلنا نتساءل عن أسباب هذا الشذوذ في السلوك، خصوصًا في صفوف اليافعين والشباب، مع تسجيل بعض الحالات من طرف أولياء أمور التلاميذ أنفسهم.
فبعدما كان الآباء والأساتذة يتشاركون في تكوين شاب أو مراهق سوي، خاضع لرقابة الآباء في البيت، والأساتذة في المدرسة، ها قد أصبحنا نشاهد تلاميذ متمردين على سلطة الأستاذ، الذي كان إلى الأمس القريب يتدخل في قصة الشعر ونوعية الهندام، بل وحتى طول الوزرة، قبل أن يتم وضعه على هامش مسار التربية والتهذيب، الذي تم احتلاله من طرف وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، غير الخاضعة لأي صنف من الرقابة.
كما أن بعض الآباء الذين يحاولون منح أطفالهم حصانة مطلقة في وجه تدخلات الأساتذة والمؤطرين، يساهمون بشكل مباشر في الانفلات الأخلاقي الذي يمارسه أبناؤهم، في تبنٍّ جديد لمقاربة “التربية النموذجية”، والتي تلامس في بعض مظاهرها مفهوم التسيّب لدى البعض.
فكيف للتربية التقليدية، التي كانت في الكتاتيب والمدارس، المتسمة بالانضباط والصرامة، وتقديم التربية كأولوية على التعليم ، والتي أعطت أغلب الأطر والكفاءات الوطنية التي تسير مؤسسات الدولة حاليًا، وتملأ الإدارات والمؤسسات العمومية، وأنتجت أجيالًا من الكوادر، أن تكون تربية فاشلة؟ ونقوم باستبدالها بمناهج تربوية فضفاضة، بدعوى مجاراة التقدم والحرية، دون أن نضع في الاعتبار أن الطفل أو المراهق لا يمتلك بعد النضج الكافي لاختيار نمط حياته أو تحديد معالم مستقبله بشكل مسؤول ولا يمكن تمتيعه بهامش حرية أوسع من مقاسه؟
إن تقديم حقوق الإنسان بشموليتها على بناء الإنسان، يخلق لنا خللًا في المنظومة الاجتماعية، ويجعل فهم الفرد للحرية وحقوق الإنسان فهمًا معيبًا، على أنها حق مطلق يبيح له فعل ما يشاء، متى شاء، وفي مواجهة من يشاء، دون اعتبار لأي وازع أخلاقي أو قيمي، خصوصًا إذا تمت تغذيته بتشجيع أحد الأبوين أو كليهما، على الانطلاق جامحًا بعنفوان الشباب وطيشه، ما قد يسبب نتائج عكسية.
فقبل تمتيع الفرد بحقوقه، عليه أولًا معرفة واجباته والقيام بها، وإنزال كل مكون من مكونات المجتمع المنزلة التي يستحق. فالأب، والأستاذ، والصديق، وإمام المسجد، والجار،… كلٌّ في مكانته، وكلٌّ يستحق منا المعاملة التي تليق به.
للأسف، الأجيال السابقة، التي تربت على الاحترام والتقدير، كانت تشرف قدر الأساتذة والمعلمين وأطر التدريس عندما كانوا أطفالًا وشبابًا، لكن فشل جزء كبير منهم في نقل هذه “الجينات” إلى أبنائهم وزرعها فيهم، ما أنتج لنا جيلًا لا يقف للأستاذ، ولا يوفيه التبجيل، ولا يعتقد أنه كاد أن يكون رسولًا.